التقرير السويسري ومسار التحقيق بموت عرفات

سويشر يستعد للكشف عن مضمون تقرير عرفات أمام مقر المعهد السويسري بلوزان
undefined

 محمد العلي-لوزان

من مدينة لوزان السويسرية الواقعة على مقربة من الحدود مع فرنسا, سجلت قضية الموت الغامض للرئيس الفلسطيني ياسر عرفات يوم 11 نوفمبر/تشرين الثاني 2004 تطورا من شأنه لو توبع قضائيا أن يوصل إلى المتسبب في موته.

ففي هذه المدينة الناطقة بالفرنسية، كشف رئيس قسم الصحافة الاستقصائية في الجزيرة كلايتون سويشر من أمام مقر المركز الجامعي للطب الشرعي أبرز عناصر تقرير خبراء الطب الشرعي السويسريين الذي تسلمت سهى عرفات أرملة الزعيم الفلسطيني الراحل نسخة منه.

ويفيد ملخص التقرير بأن العلماء عثروا على مقادير تصل إلى 18 ضعف المعدل الاعتيادي من مادة البولونيوم المشع في عينات من رفات عرفات التي استخرجت في نوفمبر/تشرين الثاني من العام الماضي بالتفاهم مع السلطة الفلسطينية.

ويشبه التقرير الثاني سابقه لجهة أنه علمي وفني صرف أعده علماء مستقلون في بلد معروف بحياده السياسي دوليا وباستقلال أجهزته البحثية وعلمائها عن أي تأثيرات أو ضغوط.

ومن شأن هذا الكشف تثبيت الشكوك التي كشفها شريط الجزيرة في يوليو/تموز 2012 بأن عرفات مات مسموما بمادة البولونيوم، وهو ما سبق أن أثبته الخبراء السويسريون ذاتهم بعد فحص محتويات حقيبة عرفات في أيامه الأخيرة.

قضية موت عرفات من شأنها أن تسبّب إحراجا للسلطة الفلسطينية وفرنسا وروسيا (الجزيرة-أرشيف)
قضية موت عرفات من شأنها أن تسبّب إحراجا للسلطة الفلسطينية وفرنسا وروسيا (الجزيرة-أرشيف)

إحراج
غير أن التقرير الثاني -الذي ثبّت شكوك التقرير الأول- ظهر إلى العلن في ظروف من شأنها أن تسبب إحراجا لثلاث جهات معنية في قضية الموت الغامض لعرفات:

الأولى هي السلطة الفلسطينية التي طلبت رسميا من الخبراء السويسريين إجراء فحوص للعينات وتسلمت نسخة من التقرير, لكنها لجأت قبل ذلك إلى روسيا وسلمتها أيضا جزءا من العينات، إلى جانب تعويلها على التحقيق الجنائي الذي فتحته فرنسا في القضية بعد صدور التقرير السويسري الأول وإثر دعوى رفعتها سهى عرفات أمام القضاء الفرنسي ضد مجهول.

أما الجهة الأخرى التي يمكن أن يمثل لها التقرير الجديد إحراجا فهي فرنسا. فقد مات عرفات على أرضها من دون أن يتمكن أطباؤها من اكتشاف سبب موته. وهي التي يقوم خبراء الطب الشرعي فيها أيضا بفحص عينات مشابهة لتلك التي فحصها العلماء السويسريون, دون أن يعرف متى يفرجون عن النتائج.

أما الجهة الثالثة فهي روسيا التي أعد خبراؤها تقريرا عن فحصهم لعينات من الرفات وأعلن أحدهم عدم العثور على بولونيوم فيه. لكن هيئة الطب الشرعي الروسية تنصلت من ذلك التصريح، وقالت إنها سلمت تقريرها إلى وزارة الخارجية الروسية.

وقد أكد رئيس فريق الأطباء الشرعيين السويسريين فرانسوا بوشود للجزيرة أن الدولة السويسرية لم تمارس أي نوع من أنواع الضغط على المعهد وسط توقعات بأن يصدر الخبراء تعليقهم على نتائج التقرير.

بوشود (يسار) أكد أن الدولة السويسرية لم تمارس ضغوطا على المعهد (الجزيرة نت)
بوشود (يسار) أكد أن الدولة السويسرية لم تمارس ضغوطا على المعهد (الجزيرة نت)

تأثير الجزيرة
لكن ماذا عن فرنسا التي تحقق في القضية جنائيا وفنيا عبر أطباء شرعيين يفحصون الرفات ويبلغ عددهم -حسبما صرحت سهى عرفات للجزيرة نت- خمسين طبيبا؟ وكيف سيكون تأثير التقرير السويسري على مسار التحقيق فيها؟

يقول كلايتون سويشر في هذا الصدد إن تأثير نشر الجزيرة لتقرير السويسريين يجعل من الصعب على الحكومة الفرنسية تجاهل "الحقائق الدامغة بأن هنالك كميات مرتفعة من البولونيوم في هيكل عرفات العظمي".

وأضاف "في السابق كان يمكنهم الادعاء بأنهم لم يعثروا على شيء. الروس يمكنهم بدورهم أن يقولوا إنهم توصلوا إلى نتيجة سلبية. لكن السويسريين قاموا وعبر تفاصيل ذات مصداقية بتوثيق التقرير الذي يتضمن اكتشافاتهم".

واعتبر سويشر أن "على فرنسا أن تقوم بعمل ما. وما كان ينظر له سابقا بأن شيئا لم يحدث لم يعد جائزا حاليا. شريط الجزيرة السابق كان ينقصه الدليل. لكن القضية أصبحت الآن ذات طابع جرمي, وإذا كانت لا تريد أن تتصرف من تلقاء نفسها فيمكنها أن تعلن استسلامها وعرض الحالة على المحكمة الجنائية الدولية".

وحول ما إذا كانت فرنسا ستذهب من تلقاء نفسها إلى هذه المحكمة من دون التنسيق مع السلطة الفلسطينية، قال إن "قضية المحكمة الجنائية الدولية تدخل في صلب إستراتيجية الرئيس محمود عباس المتعلقة بالتفاوض مع إسرائيل، وهو أعطى طمأنات لإسرائيل بأنه لن يلجأ إلى المحكمة. هذا ما فعله بعد تقرير غولدستون، وهذا ما يفعله في قضية مقتل عرفات. لهذا ترى إسرائيل مطمئنة. هو يريد أن يستخدم مقتل عرفات كسلاح تفاوضي".

تحقيق فريق الجزيرة في وفاة عرفات بدأ بعد أن أتاحت أرملته سهى الاطلاع على سجله الطبي ومتعلقاته الشخصية
تحقيق فريق الجزيرة في وفاة عرفات بدأ بعد أن أتاحت أرملته سهى الاطلاع على سجله الطبي ومتعلقاته الشخصية

تحقيق الجزيرة
يذكر أنه في مطلع العام 2011 بدأت الجزيرة تحقيقا استقصائيا في وفاة عرفات بعدما أتاحت أرملته لفريقها الاطلاع على سجله الطبي ومتعلقاته الشخصية، ومن ضمنها الملابس التي كان يرتديها في أيامه الأخيرة والتي سلمت لعلماء طب شرعي سويسريين معروفين بحيادهم.

وفي يوليو/تموز 2012 بثت الجزيرة تحقيقا استقصائيا تضمن نتائج فحص متعلقات عرفات التي عثر العلماء السويسريون بعد فحصها -وفحص بقايا بوله وبقع دمه وبعض الشعر العالق في قبعته- على مقادير عالية من مادة البولونيوم 210.

وكشف تقرير الخبراء السويسريين الأول وقتها ماهية المادة التي قد تكون أدت إلى وفاة عرفات، دون أن يتم التطرق إلى من قتله وكيف، وهذا ما أكده أيضا التقرير الجديد.

ودفع الشريط الوثائقي السلطات الفرنسية إلى فتح تحقيق جنائي في قضية وفاة عرفات أدى في وقت لاحق إلى سماح السلطة الفلسطينية بنبش قبره واستخراج ستين عينة من رفاته وتسليمها إلى علماء طب شرعي من فرنسا وسويسرا وروسيا.

ويتوقع أن يكشف علماء الطب الشرعي الروس عن نتائج فحصهم قريبا، في حين يستبعد أن يحذو العلماء الفرنسيون حذوهم قبل استكمال التحقيق الجنائي في القضية.

ومعلوم أن رئيس الوزراء الإسرائيلي أرييل شارون خلال فترة مرض عرفات ووفاته كان يرى في الزعيم الفلسطيني "إرهابيا" و"عدوا" ودعا للتخلص منه، لكن إسرائيل كررت نفيها أن يكون لها دور في مرض عرفات أو وفاته.

المصدر : الجزيرة