أدى تفجير مسجدي السلام والتقوى في طرابلس قبل نحو أسبوعين إلى قيام لجان تطوعية بترتيبات أمنية غير مسبوقة وغير اعتيادية حول المساجد لم يشهد لها لبنان مثيلا من قبل.
علي سعد-طرابلس
يُخيل للداخل إلى مدينة طرابلس شمال لبنان من مدخلها الجنوبي أن الحياة طبيعية: زحمة سير، والناس يتابعون حياتهم اليومية.. لا اشتباكات بين جبل محسن وباب التبانة، ولا قتلى ولا جرحى يسقطون.
ومع التقدم قليلا داخل أحياء المدينة الساحلية يختلف المشهد، حيث يقل الزحام ويندر وجود المارة، حتى تصل إلى مشارف شارع الاستقلال المؤدي مباشرة إلى حي باب التبانة.. المارون من هناك يطلبون منك الالتفاف والعودة خشية تسلل رصاصة إليك.
لا يبدو أن ما صدر عن الاجتماع الأمني الخميس في القصر الجمهوري سيكون له صدى في الشارع الطرابلسي، فمنذ نحو ثلاث سنوات اعتاد الطرابلسيون مثل هذا النوع من الاجتماعات، ولكن أصوات الطلقات النارية لا تزال تؤرق ليلهم وتقلق نهارهم.
وبعد اللقاء الحكومي، قال رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي إن هناك سلسلة من الإجراءات الأمنية التي ستتخذ بكل جدية لوضع حد للاستهتار الأمني الحاصل في طرابلس. وكشف عن اجتماع قريب ستحضره شخصيات محلية ومن القضاء العسكري إلى جانب وزير العدل لمتابعة الوضع.
خطة أمنية
يجمع الطرابلسيون على أن المدينة تعيش على وقع الأزمة في سوريا منذ تفجرها، دون أن تضع الحكومة اللبنانية أي خطة أمنية.
يندر أن تجد في طرابلس من يتحدث إيجابيا عن الخطة الأمنية التي وُضعت بعد تفجيرين دمويين هزّا المدينة قبل نحو شهرين. ويقول صاحب محل تجاري عند مدخل المدينة -فضل عدم ذكر اسمه- إنه "من دون موقف سياسي لا توجد حركة بيع وشراء، فكيف إذا أخذنا مثل هذه المواقف؟!".
على بعد ثلاثة شوارع من مدخل المدينة، وحده صوت قلي الفلافل يخرق الصمت الحذر في شارع الاستقلال مع هدوء المعارك عند انتصاف النهار.. المحلات كلها مغلقة، والشارع خال من المارة، ولكن أبو أحمد قرر أن يفتح محله علّه يتحصل بعض الرزق لإطعام أطفاله.
قال أبو أحمد للجزيرة نت إنه "لم يتمكن من النوم أو العمل منذ ثلاثة أيام، فالمعارك ما تلبث أن تهدأ صباحا حتى تعود وتشتعل ليلا، ليكمل الأهالي النهار مختبئين خوفا من رصاص القنص".
أسباب الاشتباك غير المنطقية تنتفي عند الحديث مع رئيس هيئة علماء المسلمين في لبنان الشيخ سالم الرافعي، ويبدو الرجل مقتنعا بأن المدينة "تستخدم لتوجيه رسائل من قبل بعض الأجهزة الأمنية التابعة للنظام السوري" كما قال للجزيرة نت.
ويمضي الرافعي معظم وقته متحدثا عبر الهاتف ينسق لعقد اجتماعات لفعاليات المدينة و"قادة المحاور"، ولكن المهمة هذه المرة تبدو أصعب، "فقادة المحاور لم يشاركوا في القتال، بل مسلحون غير منضبطين".
واتهم الرافعي الحزب العربي الديمقراطي بالتغطية على جريمة تفجير مسجدي التقوى والإيمان في طرابلس والتي "ثبت تورطه ومن خلفه النظام السوري فيها"، عبر إشعال محور باب التبانة-جبل محسن.
واتفق النائب عن طرابلس محمد كبارة مع ما ذهب إليه الرافعي عن أسباب الاشتباك، معتبرا أن النظام السوري وربيبه الحزب العربي الديمقراطي يستهدفان "مناطق السنة" في طرابلس.
لا تسليم للسلاح
قبل أقل من شهر عُرضت مبادرة تقضي بتسليم المسلحين سلاحهم إلى الدولة مقابل إلغاء مذكرات التوقيف الصادرة بحقهم، وتأمين وظائف لهم في المؤسسات الرسمية، غير أن المبادرة لم تقابل بأي رد إيجابي حسب ما أوضحه مهندسها زياد علوكي للجزيرة نت.
مبدأ تسليم السلاح يبدو مرفوضا عند الشيخ الرافعي، مطالبا لتحقيقه بأن تسلم كافة المليشيات في لبنان سلاحها وعلى رأسها حزب الله. وكبارة من جهته لا يبدو بعيدا عن وجهة النظر هذه، مشددا على ضرورة وقف إيصال السلاح إلى جبل محسن الذي يتم عبر حزب الله.
لا تشبه طرابلس اليوم تلك المدينة التي عرفها اللبنانيون على مدى سنوات طويلة.. مدينة مرّت عليها حضارات كبيرة وخرج منها قادة وعلماء ومفكرون ما زالت لأفعالهم صدى في عقول اللبنانيين قد لا تنجح آلات القتل في محوها.
ولكن طرابلس التاريخية تحولت في الذاكرة الجماعية اللبنانية إلى جبل محسن وباب التبانة، بعدما نسي قاصدوها القلعة التاريخية والخانات وقصر الحلو.. ذاكرة يريد الطرابلسيون إعادتها إلى الوراء.