هل يحل البرلمان أزمة العراق؟

مصطفى رزق

أظهرت الأزمة السياسية في العراق، التي تتصاعد وتيرتها، حجم الخلاف الواسع بين فرقاء السياسة مع تزايد حدة التظاهرات ضد رئيس الوزراء نوري المالكي التي دخلت أسبوعها الثالث، في وقت  يتحرك فيه المالكي ببطء وبإجراءات يقول معارضوه إنه يعلم جيدا أنها لن تجدي في مواجهة الأزمة.

المالكي وضع الكرة في ملعب مجلس النواب، عندما قال إن الحكومة ورئيسها لا يستطيعان إلغاء أو تعديل القوانين التي يطالب المتظاهرون بإلغائها، وتشمل المادة الرابعة من قانون مكافحة الإرهاب، وقانون المساءلة والعدالة والمتعلق باجتثاث البعث.

عقد البرلمان بدوره جلسة استثنائية الأحد الماضي لمناقشة الأزمة، ولم يكتب لها النجاح بسبب عدم اكتمال النصاب القانوني، ثم عقد جلسة عادية أمس الثلاثاء، لكنها فشلت أيضا بعدما شهدت مشادات بين أعضاء كتلة دولة القانون البرلمانية وكتلة الأحرار التابعة للتيار الصدري، ما أجبر رئيس البرلمان على رفع الجلسة، وهو ما طرح تساؤلات حول قدرة البرلمان بوضعه وتشكيلته الحالية على الخروج بالبلاد من الأزمة التي تعصف بها، حتى مع قبوله اليوم الأربعاء طلبا باستجواب المالكي.

وعلى الأرض تواصل اعتصام المتظاهرين ضد المالكي في الأنبار، واستمرت التظاهرات في الأنبار والموصل وصلاح الدين وكركوك وغيرهما، رافعة قائمة من المطالب أبرزها الإفراج عن المعتقلين في السجون العراقية لا سيما السجينات، وإنهاء ما وصفوها بسياسة التهميش والإقصاء بحق السنة، وإيقاف تنفيذ أحكام الإعدام، وتعليق العمل بالمادة الرابعة من قانون مكافحة الإرهاب، وإيقاف العمل بقانون المساءلة والعدالة.

في المقابل، خرجت مظاهرات في البصرة وكربلاء والكوت والديوانية أعلنت تأييدها للمالكي ورفضت مطالب المعتصمين في مدن ومحافظات الشمال العراقي، ورفع المتظاهرون لافتات اتهمت دولا خارجية بالوقوف وراء التوتر في البلاد.

الزبيدي: مطالب المتظاهرين ضد الماكي منطقية ولا مبرر لرفضها (الجزيرة)
الزبيدي: مطالب المتظاهرين ضد الماكي منطقية ولا مبرر لرفضها (الجزيرة)

برلمان عاجز
ويقول المحلل السياسي العراقي وليد الزبيدي إن أساس الأزمة الحالية في البلاد أن العملية السياسية برمتها قامت على دستور يمنح سلطة القرار للتحالف الوطني الذي يقع ائتلاف دولة القانون ضمنه، مشيرا في تصريحات للجزيرة نت إلى أن "ائتلاف دولة القانون" مرر في السنوات الماضية عددا من القوانين لا يمكن إلغاؤها إلا بموافقته، وبالتالي لا يستطيع البرلمان بتشكيلته الحالية تغيير هذه القوانين، ولعل ما حدث حينما حاولت المعارضة سحب الثقة من حكومة المالكي خير دليل على ذلك.

واعتبر الزبيدي أن الوضع الحالي رفع من سقف مطالب المتظاهرين إلى حد إلغاء العملية السياسية برمتها بدلا من إصلاحها، وتساءل عن أسباب رفض حكومة المالكي إلغاء قانون الإرهاب، الذي قال إنه وضع في الأساس لتحجيم المقاومة ضد الاحتلال الأميركي، ولم يعد مبررا لاستمرار العمل به بعد خروج المحتل.

وأوضح الزبيدي أن مطلب المتظاهرين بإلغاء قانون المساءلة والعدالة يبدو منطقيا بعد مرور عشر سنوات من سقوط نظام البعث "لم يدخر الحاكمون للعراق فيها جهدا في استئصاله من خلال الاعتقالات والتهجير وغيرهما"، وكشف أن ملايين العراقيين حُرموا بسبب هذا القانون -على سبيل المثال- من الراتب التقاعدي لمجرد انتمائهم أو ذويهم للبعث.

تفعيل الديمقراطية
في المقابل، اعتبر عضو ائتلاف دولة القانون خير الله البصري أن المخرج الوحيد الذي يراه للأزمة السياسية الحالية في العراق هو تفعيل المزيد من الديمقراطية، التي قال إن دورها هو تنظيم "تسونامي الحريات" الذي تعاني منه العراق.

وأضاف للجزيرة نت أن على فرقاء السياسة في العراق ترك خلافاتهم والتوجه إلى أوجاع الناس ومحاولة حلها، بدلا من المحاصصة التي لن تقود البلاد إلا إلى الدمار والحرب الأهلية.

وعما يمكن أن يقدمه المالكي لحل الأزمة، قال البصري إن رئيس الوزراء مد يده للمعارضة أكثر من مرة، لكن الطرف الآخر هو من يرفض الحوار، وأعرب عن استعداده للقيام بدور الوسيط لتقريب وجهات النظر بين جميع الأطراف.

ودعا البصري جميع الأطراف إلى التعامل مع غيرها بمنطق "الزواج الكاثوليكي" الذي ليس من حق أحد فيه طلب الطلاق من الآخر ولا يستطيع أحد إفشاله، وبالتالي الحفاظ على سلامة واستقرار العراق.

المتظاهرون طالبوا بإلغاء قانوني الإرهاب والعدالة والمساءلة (الجزيرة-أرشيف)
المتظاهرون طالبوا بإلغاء قانوني الإرهاب والعدالة والمساءلة (الجزيرة-أرشيف)

أطراف المعادلة
في السياق اعتبر المحلل السياسي العراقي رافع الكبيسي أن إحالة المالكي لمسألة إلغاء أو تعديل القوانين إلى مجلس النواب "مناورة جديدة" لأنه يعلم جيدا أن المجلس لن يستطيع إلغاءها دون موافقة ائتلاف دولة القانون الذي يتزعمه المالكي.

وأضاف الكبيسي للجزيرة نت أن هناك أملا في قدرة البرلمان على إحداث تغيير في المعادلة السياسية العراقية إذا ظل التيار الصدري على موقفه المؤيد للمتظاهرين ضد المالكي، كما يمكن تحقيق اتفاق بين القائمة العراقية والتحالف الكردستاني وإضافة أصوات بعض النواب المستقلين في مواجهة ائتلاف دولة القانون.

وحذر الكبيسي مما وصفه "صب الزيت على النار" منتقدا المظاهرات التي خرجت أمس تأييدا للمالكي، وقال إن بعضها أعد بشكل مصطنع لإظهار مؤيدين للمالكي وسياسته أمام الرأي العام الإقليمي والدولي، وكذلك لطرح فكرة وجود متضررين من العراقيين في حال الاستجابة لمطالب المتظاهرين المتعلقة بإلغاء أو تعليق القوانين.

وشدد على أهمية استمرار التظاهرات حتى تحقيق المطالب مع وضع آليات جديدة للاعتصامات وإيصال الصوت للرأي العام العربي ومنظمات المجتمع المدني وحقوق الإنسان وغيرها من المنظمات الدولية تحقيقا للضغط على المالكي للاستجابة لمطالب المتظاهرين التي وصفها بـ"المشروعة".

المصدر : الجزيرة