حارة الطم بحلب.. الموت البطيء

منظر القمامة في حارة الطم بحي السكري بحلب
undefined

عقبة الأحمد-حلب

في حارة الطم بحي السكري بمدينة حلب تلاحقك هتافات بعض الأطفال والنساء والرجال على السواء مطالبة بالطعام والخبز. لكن المشهد يبدو أكثر قسوة مع اكتمال الصورة، فالمنطقة "موبوءة" بمعنى الكلمة، وتنتشر فيها أمراض تفتك بالأهالي يوميا "فيما يشبه الموت البطيء"، في ظل انعدام الخدمات الطبية والدوائية وتراكم كبير للأوساخ والقذارة وانقطاع الكهرباء والماء ووقود التدفئة.

يقطن الحارة المتاخمة لحي صلاح الدين -الذي يشهد معارك بين الجيش الحر وجيش النظام– جنوب غرب مدينة حلب زهاء 500 عائلة تعيش حياة ملؤها البؤس والكآبة تدمع الأعين وتبكي القلوب.

وبالقرب من مدخل الحارة يجلس عجوز ابيضت لحيته وشعره يبلغ 85 عاما أمام منزله بانتظار من يأخذه للمستشفى، في وضع غير إنساني لمن في مثل عمره، ففي رجله التهاب وتقشر ولديه التهاب شديد في الصدر جراء استنشاق دخان ما يحرق من أدوات بلاستيكية (أحذية وأكياس، وقوارير بلاستيكية) للتدفئة بسبب انعدام الوقود والغاز والكهرباء.

تقدم رجل عرف عن نفسه باسم "أبو هادي" من حركة الفجر الإسلامية -كتائب الدعوة والجهاد- ليأخذ العجوز للمستشفى، قائلا إن هذه الحارة تشهد يوميا حالات احتراق بسبب استخدام أكياس النايلون والأحذية للتدفئة، مما سبب العديد من حالات الالتهاب المزمنة في الرئة والأمراض الجلدية غير المعروفة والأمراض السرطانية بسبب استنشاق غازات التدفئة السامة.

واشتكى أبو هادي -الذي قال إنه يشرف مع مجموعة من المتطوعين على بعض الصيدليات التي تمنح الدواء مجانا لأهالي المنطقة- من قلة الدواء المطلوب لعلاج أهالي المنطقة وضعف الدعم الإغاثي.

عجوز ثمانيني أنهكه العمر والمرض في حارة الطم (الجزيرة نت)
عجوز ثمانيني أنهكه العمر والمرض في حارة الطم (الجزيرة نت)

حجم الكارثة
نتعمق بالحارة لنكتشف مأساة إنسانية رهيبة، فالأطفال في حالة عدم تفاعل مع الكاميرا، والكثير منهم لا يريدون التصوير. تشاهد أمام معظم منازل الحارة أكوام القمامة، وفي غفلة تمر امرأة وبيدها بقايا خضار عفن من القمامة ربما تسعى لطهيها لأطفالها الجوعى.

أينما تلفت يمنة ويسرة لا تسمع من التفاعل معك سوى "وعدتمونا بالخبز والطعام أين هو، ما في خبز ما في أكل"، لا أحد يريد الكلام أكثر من ذلك فالوجوه تعبر عن حالة من اليأس والفاقة الشديدة.

في نهاية الحارة ثمة بيت سُمح بدخوله، فهو مجرد ممر يتبعثر فيه ما تبقى من أغراض ضمنها علبة زيت على أمل الحصول على ما يطبخ، وفي زاوية أخرى طفل يجلس أمام مجمر خصص للطبخ أو للتدفئة أو كليهما، نظر إلى الكاميرا نظرة استعطاف.

وفي غمرة وضع إنساني مزر ينادي رجل ستيني أعمى بحثا عن الصحفي الذي يصور ليلفظ أمامه سبة للرئيس السوري بشار الأسد، فالحارة على ما ذكر كانت خزانا "للشبيحة" قبل أن يسيطر على المنطقة الجيش الحر.

طفلة من حارة الطم بحي السكري، الصورة تتكلم عنها (الجزيرة نت)
طفلة من حارة الطم بحي السكري، الصورة تتكلم عنها (الجزيرة نت)

الجيش الحر
الجيش الحر الذي وجد نفسه وسط هذه الكارثة الإنسانية يحاول تأمين بعض الغذاء والخبز، ولكن المطلوب أكبر بكثير من الإمكانيات. سعت كتيبة عبد الفتاح أبو غدة المسؤولة في المنطقة لتأمين طحين لخبزه على الصاج، لكن ذلك لم يف بالغرض وإن سد جانبا.

وخلال التجول بدأ سكان من الحارة يتجمعوا حول العنصر في الكتيبة أبو عمار الشاذلي الذي قال لهم إنه تلقى وعدا بجلب ألف ربطة خبز اليوم لكنها لم تصل حتى عصر اليوم، فانبرى من يحاججه أن الكتيبة تعطي ستة أرغفة خبز لعائلة من ثلاثة أشخاص ومثلهم لعائلة من ستة أشخاص وحتى 12 شخصا، متسائلا "هيك بصير؟!". فيجيبه أن الأمر ليس كما يصوره "هذا غير صحيح". 

وفي خضم معمعة مطالب الخبز من الأهالي لأحد أفراد كتيبة أبو غدة، نغادر الحارة المنكوبة، وفي مفارقة المكان أثناء المغادرة تلتفت إلى طفل يلاحقك لتسأله عن اسمه، فيجيب "أمير".

المصدر : الجزيرة