نازحو معرة النعمان ومعاناة البرد والجوع

نازحو معرة النعمان ومعاناة البرد والجوع
undefined

محمد بنقاسم-معرة النعمان

بوجوه واجمة تعلوها الحسرة وأطفال يتحلقون حولك، يقابلك نازحون من مدينة معرة النعمان إلى مدرسة بقرية الصيادي الواقعة بالريف الشرقي للمدينة، وقد صارت المدرسة مأوى لأسر نزحت من المدينة المنكوبة التي تركها سكانها هربا من وابل القصف الشديد الذي تعرضت له لأشهر طويلة من وادي الضيف ومعسكر الحامدية، اللذين ما زال عصيين على السقوط بيد الثوار رغم المحاولات المبذولة.

علاء غريب أحد النازحين منذ أكتوبر/تشرين الثاني الماضي، وهو أب لخمسة أبناء يحكي للجزيرة نت عن أوضاعهم المعيشية، قائلا إن أكثر ما يعانيه النازحون هو شح وغلاء مواد التدفئة والطهي والخبز، ويشير إلى أن لجنة إغاثة وعدتهم قبل مدة قصيرة بمنح كل أسرة نازحة 50 لترا من المازوت لمواجهة برود فصل الشتاء، ولكن لم يصلهم أي شيء لحد الساعة.

آخر الإمدادات الغذائية التي حصلت عليها الأسر المستقرة حاليا بالمدرسة، والبالغ عددها 23 أسرة، كانت في أكتوبر/تشرين الأول الماضي، وكانت عبارة عن دفعتين من الطحين بمقدار 35 كيلوغراما لكل أسرة.

ويوجد في قرية الصيادي بالريف الشرقي لمعرة النعمان بريف إدلب قرابة 1500 نازح ونازحة من مدينة المعرة، يفتقرون للمقومات الأساسية للعيش من مواد التدفئة والخبز والطب والكساء، حيث تركوا كل الأمتعة وملابسهم بمنازلهم هربا من القصف الذي يهدم البيوت على ساكنيها دون تمييز ليلا ونهارا.

ويقول علاء إنه لا يستطيع علاج ابنته الصغيرة التي لا يتجاوز عمرها الأربع سنوات بعدما تعرضت للسعة حشرة تسببت لها بتقرح بخدها الأيسر.

‪عائلات كثيرة لجأت للمدارس هربا من القصف‬ عائلات كثيرة لجأت للمدارس هربا من القصف (الجزيرة)
‪عائلات كثيرة لجأت للمدارس هربا من القصف‬ عائلات كثيرة لجأت للمدارس هربا من القصف (الجزيرة)

الملابس والأغطية
وبكثير من الانفعال تتحدث سناء الصفوح -وهي أرملة نازحة من معرة النعمان- قائلة إنها منذ شهرين وهي تشترك في غطاء واحد مع أختها وطفلة رغم برودة الطقس، إذ تصل درجة الحرارة في كثير من الليالي إلى الصفر، وقد استطاعت بعض الأسر الرجوع لبيوتها وجلبت ما تستطيع من أغطية وسط ركام الدمار كما قدم سكان قرية الصيادي بعض الأغطية للنازحين.

وتضيف سناء للجزيرة نت أنها ترتدي زيا صيفيا وعندما يتسخ تغيره بآخر ولا تمتلك غيرهما، وتقول والدموع تنزل من مقلتيها "كنا مستورين بمنزلنا ونأكل من عرق جبيننا ولكن الآن ننتظر الإعانات".

وبسبب شدة البرد وقلة الملابس يصاب الأطفال بمعظم الوقت بأمراض البرد، هذه الفئة العمرية الأكثر احتياجا للدفء والطعام تراها بأعداد كبيرة داخل أماكن النزوح وقد أصبحت محمرة الوجنات من شدة البرد، والعديد من الأطفال يأتي إليك ليخبرك بكلمات قصيرة عن حاجة أحد أفراد أسرته للمال أو الدواء.

التدفئة والخبز
خلال الأشهر القليلة الماضية ارتفعت بشدة أسعار مواد التدفئة المعروفة من بنزين ومازوت وغيرهما، وحتى الحطب زاد سعره أضعافا مضاعفة، حيث ارتفع من ثلاثة آلاف ليرة للطن الواحد إلى 16 ألف ليرة، فعمدت الكثير من الأسر التي فقدت بيوتها ومصدر رزقها لحرق البلاستيك والكارتون وحتى الملابس لإشعال المدافئ التقليدية التي تسمى محليا بـ"الصوبة".

معظم العائلات النازحة هربت دون جلب حاجاتها الأساسية (الجزيرة)
معظم العائلات النازحة هربت دون جلب حاجاتها الأساسية (الجزيرة)

معاناة الجوع هي الوجه الآخر لمعيشة النازحين، فالكبار لا يأكلون سوى مرة واحدة باليوم، ويجاهدون لتدبير وجبتين للأطفال يوميا.

وتقول سناء إن كل أسرة نازحة بالمدرسة كانت تحصل خلال كل ثلاثة أو أربعة أيام على ربطة خبز فيها ثمانية أرغفة، ولكن أصحاب البقالة توقفوا عن جلب الخبز، والسبب الأساسي غلاؤه، حيث تصل كلفة الربطة الواحدة 100 ليرة بعدما كان سعرها قبل الثورة عشرين ليرة فقط.

لهيب الأسعار
ولا يكتوي سكان قرى ريف معرة النعمان من ارتفاع أسعار الخبز ومواد التدفئة والطهي فحسب، بل إن الغلاء لامس الكثير من الحاجيات المعيشية الأساسية، فالمدفئة التقليدية تضاعف سعرها بنحو ستة أضعاف.

كما ارتفع سعر حفاضات الأطفال بنحو ضعف ونصف، وسعر علبة حليب الأطفال بنحو ضعفين ونصف، الأمر الذي أجبر الكثير من الأمهات على فطام أطفالهن مبكرا.

المصدر : الجزيرة