جدل بشأن المؤسسة العسكرية في تونس

الجيش التونسي ساهم في انجاح انتخابات 23 أكتوبر/تشرين الأول 2011 (الجزيرة نت)
undefined

إيمان مهذب- تونس

لا تزال صور الثورة التونسية حاضرة في ذاكرة كل من عايشها، على الرغم من الغموض الذي لا يزال يلف الكثير من الأحداث التي رافقت سقوط نظام الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي، إلا أن التونسيين يتفقون على أن ثورتهم "السلمية" ما كانت لتنجح لولا "حياد الجيش ودوره في تلك الفترة".

وبعد مرور أكثر من سنة ونصف على "ثورة الياسمين"، يحمل التونسيون الكثير من الامتنان للجيش التونسي، الذي لعب "دورا فاعلا وإيجابيا في حماية مكاسب الدولة، لكن البعض يرى أن هذا الدور فيه "جانب غامض" يجب الكشف عنه.

وحول صورة المؤسسة العسكرية يقول المحامي عبد الناصر العويني للجزيرة نت، إن هناك مستويين لهذه الصورة يتمثل الأول في "الانطباع العام الذي تكون لدى أغلب الناس والمواطنين حول الحياد الإيجابي للجيش التونسي"، مضيفا أن المستوى الثاني يخص الطبقة السياسية وهو "خارج نقاط الانطباع، ويحاول البحث عن الحقائق المفصلة".

العويني: هناك نوع من الغموض والضبابية في تحديد دور الجيش (الجزيرة نت)
العويني: هناك نوع من الغموض والضبابية في تحديد دور الجيش (الجزيرة نت)

غموض
وبيّن أن هناك نوعا من الغموض والضبابية، في تحديد دور هذه المؤسسة، التي تبقى العمود الفقري للدولة، مشيرا إلى أن "بعض النقاط المظلمة التي تخص دور هذه المؤسسة، تبقى محل بحث".

وتساءل العويني -الذي يرافع في عدد من القضايا أمام المحاكم العسكرية- "هل كانت هذه المؤسسة إلى جانب الثورة بشكل صريح؟ وما مدى فاعلية وإيجابية دورها في حماية مكاسب الثورة، وفي عدم هروب رموز النظام السابق؟ وما هو دورها الأمني بعد 14 يناير/ كانون الثاني 2011 ودورها في الكشف عن القناصة وقتلة الشهداء، وما مدى تورطها في هذه المسألة؟".

من جهته طالب المدون بموقع "نواة" رمزي الطيبي -الذي يعد بحثا حول إصلاح المنظومة العسكرية- بضرورة إصلاح المؤسسة العسكرية، مشيرا إلى أن هذه المؤسسة "تريد فرض نفسها كخط أحمر، والخطوط الحمراء تؤسس للدكتاتوريات"، حسب رأيه.

وكان الطيبي قد دخل في إضراب عن الطعام للدفاع عن حرية الصحافة والمطالبة بعدالة انتقالية شفافة، بعد مصادرة الشرطة العسكرية لآلتي تصوير حاول استعمالهما لتغطية جلسة محاكمة عسكرية بالكاف في شمال غرب البلاد.

 أيوب المسعودي: من الضروري إصلاح المؤسسة العسكرية (الجزيرة نت) 
 أيوب المسعودي: من الضروري إصلاح المؤسسة العسكرية (الجزيرة نت) 

تساؤلات
ويطرح المتابعون للشأن التونسي تساؤلات حول المحاكمات العسكرية، ومدى حياديتها، خاصة بعد محاكمة أيوب المسعودي -المستشار السابق للرئيس التونسي محمد المنصف المرزوقي– بسبب دعوى قضائية أمام المحكمة العسكرية تقدم بها قائد أركان الجيوش الثلاثة الجنرال رشيد عمار بتهمة "تحقير الجيش والمس بهيبة المؤسسة العسكرية ونسبة أمور غير حقيقية إلى موظف عمومي".

كما ترى أطراف أخرى أن هذه التهم تضفي نوعا من "القدسية" على المؤسسة العسكرية وتجعلها فوق النقد.

ويعتبر المسعودي في حديث للجزيرة نت، أن "التونسيين من حقهم معرفة الحقيقة"، مشيرا إلى أن ذلك يتم بفتح تحقيق واسع حول دور المؤسسة العسكرية خلال أيام الثورة، أو ربما خلال فترة حكم بن علي، "فكل المؤسسات يجب أن تخضع للمساءلة والمحاسبة والمراجعة"، حسب قوله.

وذكر المسعودي أن "الفساد طال جميع المؤسسات في تونس، وقد يكون الأمر كذلك بالنسبة للمؤسسة العسكرية".

وكان المسعودي قد وجه أصابع الاتهام إلى الجنرال عمار ووزير الدفاع عبد الكريم الزبيدي خلال مقابلة تلفزيونية في  15 يوليو/ تموز الماضي، متهما إياهما بـ"خيانة الدولة"، واعتبر أنهما أخفيا عن المرزوقي نبأ ترحيل الحكومة لرئيس الوزراء الليبي الأسبق البغدادي المحمودي إلى ليبيا في 24 يونيو/ حزيران الماضي.

الطيبي: من حق التونسيين معرفة الحقيقة حول دور الجيش خلال أيام الثورة (الجزيرة نت)
الطيبي: من حق التونسيين معرفة الحقيقة حول دور الجيش خلال أيام الثورة (الجزيرة نت)

قداسة
ويرى المسعودي أن أسباب محاكمته "تضفي نوعا من القداسة على المؤسسة العسكرية"، لافتا إلى أن الفصل 91 من مجلة المرافعات والعقوبات الجزائية، يضع الجيش في المرتبة ذاتها.

وأشار إلى أن هذا الفصل يكرس "قداسة" المؤسسة العسكرية، معربا عن تخوفه من "نية وطموح هذه المؤسسة في لعب دور سياسي في المرحلة القادمة".

 في المقابل اعتبر وكيل الدولة ومدير القضاء العسكري العميد مروان بوقرة أن محاكمة المسعودي، لا تخضع لأي خلفية سياسية -على عكس ما يراه البعض- مبينا أن القانون الجزائي التونسي "يضمن لكل متضرر من تصريحات تمس من اعتباره وكرامته اللجوء إلى القضاء، خاصة إذا كان المتضرر عسكريا ويتم نعته بالخائن".

 بوقرة: الحديث عن قدسية المؤسسة العسكرية أمر مبالغ فيه (الجزيرة نت)
 بوقرة: الحديث عن قدسية المؤسسة العسكرية أمر مبالغ فيه (الجزيرة نت)

وقال بوقرة للجزيرة نت إن "الحديث عن قدسية المؤسسة العسكرية أمر مبالغ فيه، إذ يمكن انتقاد أعمالها والشكوى من تجاوزات أفرادها عبر القنوات واللجان الإدارية المختصة دون التشهير بها عبر وسائل الإعلام وقبل قيام الحجة على صحة الادعاءات".

وأكد بوقرة أن حرية التعبير من "أقدس الحقوق التي كفلتها المواثيق والعهود الدولية".

وفي هذا السياق ذكر الناطق الرسمي باسم وزارة الدفاع العميد مختار بن نصر للجزيرة نت، أن "المؤسسة العسكرية مؤسسة جمهورية، تخضع للقوانين كجميع المؤسسات وأنها ليست فوق النقد، وليست فوق القانون".

وأضاف أن "المؤسسة العسكرية تقبل النقد البناء والرأي المخالف، لكنها ترفض الاتهامات غير المبررة، والثلب والتشكيك في قادتها، لأن ذلك يضرب معنويات الجيش".

المصدر : الجزيرة