ما تأثير اختفاء الأسد على ثورة سوريا؟

afp\ syrian president bashar al-assad gestures as he speaks during an interview in damascus july 8, 2008. assad, speaking ahead of a weekend visit to france, (الفرنسية)
undefined

بتواصل غياب الرئيس السوري بشار الأسد عن المشهد منذ الانفجار الذي أوقع عددا من قادته الأمنيين تتوارد الأسئلة عن مكان وجوده في ظل اقتراب الاشتباكات من عرينه في دمشق، وتفتح مجالا لتكهنات بشأن مآله ومصيره في حال تحقيق الثورة المستمرة على أركانه -والتي تشتد ضرواتها بمرور الوقت- مكاسب ميدانية مهمة.

وبعد الانفجار الذي استهدف مقر الأمن القومي في دمشق والذي قتل فيه عدد من القيادات الأمنية في البلاد، أظهرت لقطات بثها التلفزيون السوري بشار الأسد وهو يستقبل وزير الدفاع الجديد فهد الفريج لأداء اليمين، وهي آخر اللقطات التي ظهر فيها الأسد الذي اختار لاحقا اللجوء إلى خطاب مكتوب لدعوة قواته المسلحة لمواصلة الحرب على معارضيه.

وبالرغم من أن الأسد تعود على فترات غياب طويلة نسبيا عقب اندلاع الثورة السورية، فإن الاختفاء في الظروف الحالية التي تشهد تصاعدا للاشتباكات المسلحة بين قواته والجيش السوري الحر في أكبر مدينتين في سوريا، يجعل من ظهور الرئيس ضروريا لطمأنة الموالين له بقدرته على مواجهة هذه التطورات والتعامل معها بشكل يسمح بمواصلة قيادته للبلاد.

وفي وقت تقول الولايات المتحدة إنها لا تعرف مكانه وتؤكد أن "سيطرته تنحسر بصرف النظر عن مكانه"، ترك غياب الأسد المجال أمام خصومه مفتوحا لإذكاء شائعات عن هروبه نحو مسقط رأسه في اللاذقية، وسفر زوجته أسماء باتجاه روسيا، غير أن هذه المعلومات وفضلا عن عدم تأكيدها من قبل أطراف رسمية، تتعارض مع ما رصده بعض المحللين عن شخصية الأسد وطرق تعامله المتوقعة إزاء أي تطور قد يمس بسلامته.

فبالرغم من أن صحفي جريدة لوموند الفرنسية المتخصص في شؤون الشرق الأوسط بنجامين بارث، يرى أن روسيا وإيران ستكونان وجهة الأسد في حال مغادرته سوريا، فإنه يعتبر أن هروبه مستبعد في الوقت الراهن لأن المعطيات المتوفرة عن حالته المعنوية تشير إلى أنه منغلق على نفسه بعيدا عن الواقع، بدليل ما كشفت عنه مراسلات مسربة أكدت حرصه على شراء أغان غربية في عز عمليات قمع الثورة.

سمات الأسد
ووفقا لخبراء درسوا إطلالات الأسد السابقة، فإن الرئيس السوري صاحب شخصية منفصلة عن الواقع، يُبرز نفسه كحامي للطائفة العلوية وحريص على بقاء الدولة السورية، وله قدرة على مواجهة المشاعر الموجهة إلية كشخص منبوذ.

ونقلت صحيفة واشنطن بوست عن خبير مطلع على الوضع السوري -رفض الكشف عن هويته- أن الأسد يعتقد بصلاح ما يقوم به وتخيم هواجس المؤامرة على نمط تفكيره، وأوضح أن الأسد -وكحال من يشبهونه- قد تكون غطرسته دافعا له لاختيار قرارات خاطئة.

من الصعب جدا توقع ردة فعل الأسد في حال مواجهته لخسارة، كما أن المؤشرات المتوفرة تشير إلى أنه سيواصل التقدم في الخيار الذي ارتضاه حلا للأزمة التي تعصف ببلاده

وتحدثت الصحيفة عن تزايد القناعة لدى الدول الغربية والعربية المهتمة بالشأن السوري أن الأسد سيلجأ إلى خيار العقيد الليبي الراحل معمر القذافي ودفع حياته ثمنا لبقاء نظامه وأنه لن يتنحى عن السلطة إلا معتقلا أو قتيلا، ونقلت عن المحلل السابق لشؤون الشرق الأوسط في البنتاغون جيفري وايت تأكيده أن لا مجال للحوار مع الأسد الذي سيواصل القتال وسيركز على دمشق.

ووفقا لما نقله مراسل صحيفة لوفيغارو، جان ماري كيمينير في كتابه "دكتور بشار.. مستر أسد" فإن نزعتي الاستئثار بالسلطة والتسلط لدى الأسد بلغتا حدا لم يعد فيه قادرا على التمييز بين مصالحه ومصالح شعبه أو بلده، وهذا ما يجعله يتعامل مع الثورة السورية كما لو أنها مجرّد اضطرابات تقف خلفها "عصابات إرهابية" أو "أياد خارجية".

وبناء على تلك المعطيات فإنه من الصعب جدا توقع ردة فعل الأسد في حال مواجهته لخسارة، كما أن المؤشرات المتوفرة تشير إلى أنه سيواصل التقدم في الخيار الذي ارتضاه حلا للأزمة التي تعصف ببلاده، وهو ما يعني أنه سيحصر نفسه في زاوية ضيقة موازاة مع تقدم قوات المعارضة ميدانيا.

مواصلة السيطرة
وإلى أن تبرز معطيات قد تغير المشهد الحالي، يرى خبراء أن اختفاء الأسد لا يعني أنه فقد السيطرة. وقال جوليان بارنز داسي من المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية "إنه لا يزال بكل الحسابات، شخصية محورية جدا، وكل التقارير التي رأيناها من أناس في النظام تشير إلى أنه يسيطر على الأمور"، وأضاف لرويترز "عرفنا منذ بعض الوقت أن مجموعة من المسؤولين -وكثير منهم من أهله- يوجهون ما يجري لكنه هو المتحكم والموجه لهذه الحملة".

وأوضح داسي أن الأسد يتعامل من منطق صاحب القوة وبالتالي فإن ظهوره لن يتزامن إلا مع تحقيق تقدم أو انتصار لقواته على الأرض. وإضافة إلى ذلك ونظرا لعلمه بأن نجاح أي ضربة موجهة ضده قد يمنح النصر للمعارضين بضربة واحدة، فإن الأسد سيفكر طويلا ومليا بشأن مخاطر أي ظهور علني.

من جانبه قال مدير مركز الشرق الأوسط في كلية لندن للاقتصاد فواز جرجس إن تفجير مقر الأمن القومي "كان صدمة نفسية كبيرة سيستغرق الأسد وقتا لاستعادة توازنه"، لكنه أضاف أن السرعة التي أعاد بها تشكيل فريقه من مساعديه المقربين أظهرت أن "الأجهزة الأمنية بعيدة عن كونها قوة مستهلكة، وأنها لا تزال تعمل، وسنرى المزيد من العنف وستنشر قوة أكبر في حلب لكسب المعركة".

المصدر : الجزيرة + وكالات