جامع المعمار.. حكاية ثلاثة قرون ونصف

جامع المعمار بناه الوالي مصطفى معمار باشا في 1093 هجرية الجزيرة نت
undefined

 

ياسر باعامر-جدة
 
حينما تذكر جامع المعمار داخل أسوار جدة القديمة المعروفة اليوم باسم "المنطقة التاريخية"، فأنت تتحدث عن تاريخ يمتد لأكثر من ثلاثة قرون من البناء والاستمرارية حتى اليوم.

وتصفه الدوائر الرسمية المتخصصة بالتراث في السعودية، بأنه يحتل المرتبة الثانية في خارطة المساجد الأثرية في المنطقة التاريخية بعد جامع الشافعي صاحب القرون الثمانية.

بطون المصادر التاريخية التي تتحدث عن مدينة جدة المشتهرة بأنها مدينة الثلاثة آلاف سنة، تشير في سياقها الزمني إلى أن من بنى هذا "الجامع العتيق" هو أحد ولاة جدة العثمانيين ويدعى مصطفى معمار باشا، الذي لقب الجامع باسمه وصلى فيه بانتظام، وتجد في محراب الصلاة تاريخ الإنشاء محفوراً في القمة العلوية من المحراب بالتاريخ الهجري وهو عام 1093، وهو ما يوازي في العمر الزمني التاريخي قرابة 340 عاماً.

ويقع الجامع في شارع العلوي غرباً بمحلة المظلوم القريبة من برحة نصيف الشهيرة، وهو مسجد كبير ومرتفع كثيراً عن مستوى الشارع.

ولروعة هندسته القديمة فإن الوصول إليه يكون عبر طريقين، وذلك وفقاً للجهات الجغرافية التي يأتي منها المصلون، فمن جاء من جهته الشرقية يكون عليه صعود الدرج، ومن أتى من الجهة الشمالية يصل إلى باب مدخله مباشرة، وهذا من السر المعماري الذي يتحدث عنه جيران "جامع المعمار".

المكبرية التي كان يردد المؤذن من خلفها تكبيرات الإمام لا تزال باقية (الجزيرة نت)
المكبرية التي كان يردد المؤذن من خلفها تكبيرات الإمام لا تزال باقية (الجزيرة نت)
ترميم
وفقاً لحديث المسؤول البلدي في المنطقة التاريخية سامي نوار للجزيرة نت، سيدخل "جامع المعمار" في عمليات ترميم واسعة وكبيرة بعد 11 شهراً، على نفقة الملك السعودي عبد الله بن عبد العزيز آل سعود، دون المساس بالأساس الهندسي الأصلي للجامع.

وعندما تقدم لزيارة الجامع أو المرور عليه، فإنك تذكر شخصيتين رئيسيتين لم يسلط الإعلام المحلي الضوء عليهما، ويعدان بمثابة "مستودع الأسرار" لهذا الجامع، كما يصححان بعض المصادر التاريخية، وهما قيم الجامع الحاج اليمني أحمد عبد الله عبد السلام (83 عاماً) الذي يحب من حوله أن يطلق عليه لقب "خادم البيت"، وقد خدمه قرابة 62 عاماً بدأها عام 1371 هجرية، منذ السنوات الأخيرة لمؤسس المملكة الراحل الملك عبد العزيز آل سعود.

والثاني هو المؤذن الحاج خالد عبدون الذي جاور الجامع منذ نصف قرن (51 عاماً)، وظل محتسباً لوجه الله تعالى في رفع الأذان لأكثر من ثلاثين عاماً تقريباً، وهو يمتهن بيع دهن العود والبخور في محل صغير على بعد خمسة أمتار من الجامع.

أخذ المؤذن عبدون مراسل الجزيرة نت في زيارة خاصة للاطلاع على بعض التفاصيل والملامح التاريخية التي لم تتغير وما زالت تحتفظ "ببريقها"، فلا يزال البازاران (البئران) اللذان يمدان الجامع بالماء ويبلغ عمقهما أربعة أمتار وطول امتدادهما سبعة أمتار.

 
يقول عبدون إن البحر كان ملاصقاً للجامع من جهته الغربية، وكان المصلون يتوضؤون منه في بعض الأحيان.

وأما في الداخل فلا يزال الهوس العثماني ينتشر في الطراز العمراني، فحينما تلج إلى الجامع تشعر وكأنه صورة "طبق الأصل" لما عليه الجامع النبوي الشريف قبل التجديدات التي طرأت عليه في العهد السعودي، ويظهر ذلك في القناديل الضوئية والأسقف الخشبية العلوية وتلك المساندة بين جدران العواميد التي لم تشوهها عوامل التعرية لجودة الخشب المستخدم في عمليات البناء.

‪الحاج أحمد عبد السلام خدم الجامع 62 عاماً‬ (الجزيرة نت)
‪الحاج أحمد عبد السلام خدم الجامع 62 عاماً‬ (الجزيرة نت)
البناء العثماني
وهذا البناء العثماني كان مصدر إلهام للأفواج السياحية التركية التي كثيراً ما تتردد على زيارة هذا الجامع، وتجعله على رأس أجندتها كلما قدمت لأداء مناسك العمرة أو الحج، والتي تتكرر سنوياً ما بين أربع إلى خمس زيارات.

وقبل بدء الترميم الحكومي لعبت شخصيتان حجازيتان هما الشيخان الراحلان حمزة جمجوم وعبد الرحمن نصيف دوراً مهماً في الحفاظ على كيان هذا الجامع العتيق، وذلك عبر الترميم الذي أجرياه على نفقتهما الخاصة.

ويزين جدران الجامع من الداخل حزام طويل محفور عليه آيات قرآنية، إضافة إلى القبة الخشبية الخضراء، والمكبرية الخشبية التي لا تزال باقية لهذه اللحظة، وكان يؤذن من فوقها ويردد المؤذن التكبيرات من خلف الإمام، كما هو حاصل في الحرمين الشريفين.

و"المستودع الكبير" تحت الأرض كان محور اختلاف بين قيم الجامع وأحد المرشدين السياحيين، الذي قال إنه يستخدم لحفظ العطور والشموع الخاصة بالحرمين الشريفين، لكن هذه المعلومة لم ترق الحاج عبد السلام الذي أشار إلى أنه كان عبارة عن دكاكين ومحلات وقفاً للجامع، ثم تحولت بعد إلى مقهى شعبي، ومن ثم أضحت "مستودعا" لحفظ الهوادج التي كانت تحمل النساء في رحلات الحج المقدسة.

والانتقاد الذي يوجه للبلدية المسؤولة عن المنطقة التاريخية، هو عدم وجود أدلة إرشادية أو كتب توثيقية تتحدث عن المواقع الأثرية في هذه المنطقة التي تحتفظ بين مكوناتها بأكثر من 500.

المصدر : الجزيرة