جدل بشأن الوثائق المسربة من الفاتيكان

Pope Benedict XVI (C) waves as he boards a plane at Linate airport at the end of his trip to Milan June 3, 2012. The pope said traditional family values and Sunday rest were key to escaping the ills of modern society and reached out to divorced people at a mass to close the World Meeting of Families in Milan. AFP PHOTO / POOL / ALESSANDRO GAROFALO
undefined

غادة دعيبس- روما

ما زالت قضية الوثائق المسربة من الفاتيكان تثير الجدل في إيطاليا حيث نُشرت وثائق جديدة الأحد الماضي في صحيفة لاريبوبليكا أرسلها مصدر مجهول.

وأرفق هذا المصدر مع الوثائق رسالة مطبوعة تحدث فيها عن أن كبير خدم البابا ليس وحده المسؤول بل هو كبش الفداء، وما زال الفاعل الحقيقي يجوب في أروقة الفاتيكان، وأشار إلى أن هناك مئات الوثائق ستنشر عند الحاجة.

وتتعلق الوثائق التي نشرت مؤخراً، بثلاث رسائل سرية واحدة موجهة إلى أمين سر الفاتيكان الكاردينال تارشيزيو بيرتوني من قبل مسؤول المحكمة الكنسية العليا، وهو يعبر فيها عن استيائه من موافقة البابا على ممارسة طقوس دينية جديدة للحركة الكنسية "مسيرة الموعوظين الجدد " لأنها تتعارض مع الطقوس الليتورجية لقداسة البابا.

الرسالتان الأخريان موقعتان من السكرتير الخاص للبابا نشرتا كصفحات بيضاء دون فحواهما لأنهما، وفق تصريحات المصدر المجهول، تتعلقان "بأحداث مخزية في الفاتيكان، ولتفادي الإساءة إلى شخص قداسة البابا الذي يتألم من إساءة معاونيه".

ألبرتو ميللوني قلل من أهمية الوثائق الجديدة وقال إنها تتعلق بثرثرة داخل الكنيسة (الجزيرة)
ألبرتو ميللوني قلل من أهمية الوثائق الجديدة وقال إنها تتعلق بثرثرة داخل الكنيسة (الجزيرة)

المسؤولان الحقيقيان
وحذر المصدر نفسه بقوله "نحن نحتفظ بحق نشر النصوص كاملة في حال إخفاء الحقيقة"، وطالب بطرد المسؤولين الحقيقيين عن هذه الفضيحة، وهما السكرتير الخاص للبابا وأمين سر الفاتيكان الكاردينال بيرتوني.

وفي سؤال حول مدى حساسية وخطورة هذه الوثائق على الفاتيكان، قلّل المؤرخ الكنسي ألبرتو ميللّوني في حديث للجزيرة نت من خطورة الوثائق، وقال إنها ليست ذات أهمية لأنها تتعلق برسائل خاصة بالأساقفة وثرثرة جارية داخل الكنيسة، واعتبر أن من يستخدم هذه الوسائل شخص مسكين يفتقر إلى القيم الأخلاقية وغرضه الأساسي الابتزاز والترقية المهنية.

وفسر ميلّلوني ما يحدث في الفاتيكان بأنه ناجم عن تعيين أشخاص غير مناسبين في أجهزة الكنيسة، ومحاولة مجموعة في المجلس الكنسي الروماني "كوريا رومانا" خلال السنوات الماضية منع الحوار الداخلي لأهداف رخيصة. 

أما الضرر الأكبر –يضيف ميلّلوني- فهو صراع الكرادلة الإيطاليين على السلطة الذي سيمنع الفرصة أمام انتخاب بابا إيطالي لأعوام طويلة لأن تصرفات المجلس الكنسي الروماني قد أساءت لمصداقية الإيطاليين، وأعطت انطباعاً في كل العالم بأن الكرادلة الإيطاليين متمسكون بالسلطة.

ولن يستبعد ميلّلوني أن يكون الكرسي الرسولي مستهدفاً لأنه يلعب دوراً هاما على الساحة الدولية ويعترض على ممارسات بعض الدول مثلما حصل وأن اعترض البابا يوحنا بولس الثاني على حرب العراق، وهو أمر لم يعجب الإدارة الأميركية، مشيراً إلى أن الاتهامات والقصص القذرة مثل قصة الشذوذ الجنسي التي أثارتها واشنطن قد تهدف إلى إضعاف ثقل الكرسي الرسولي على الساحة الدولية.

وفسر ميللوني مهاجمة الكاردينال بيرتوني بأنه حسد لما يتحلى به من الثقة الكاملة من البابا راتسنغر.

ماركو بوليتي يرى أن الوثائق تثبت أن بيرتوني دائماً في حالة صراع مع الكرادلة (الجزيرة نت)
ماركو بوليتي يرى أن الوثائق تثبت أن بيرتوني دائماً في حالة صراع مع الكرادلة (الجزيرة نت)

استياء الكوريا
لكن الخبير بشؤون الفاتيكان ماركو بوليتي يرى أن الصراع  لم ينجم بسبب الغيرة وإنما بسبب استياء بعض رجال الكوريا (وهم أعضاء الجهاز الإداري والتنفيذي والاستشاري الذي يساعد البابا) من إدارة بيرتوني، ولهذا قررت هذه الشبكة أن تعلن صراعاً سياسياً خفياً لإسقاطه وتغيير قيادات الكرسي الرسولي. وأشار بوليتي إلى أن "معظم هذه الوثائق تثبت أن بيرتوني دائماً في حالة صراع مع الكرادلة".

وشدد بوليتي على مدى حساسية وخطورة هذه الوثائق التي تثبت أن توترا وصراعا يدور بين الكرادلة في الدرجة الأولى وكأنها حربٌ أهلية، وهو مؤشر يبعث على القلق وزعزعة في استقرار نظام الفاتيكان. وحذر من نهاية بشعة للبابا الذي يعطي انطباعاً بسياسة الفوضى وعدم مقدرته على السيطرة، وهو ما يجعله يتمسك بالكاردينال بيرتوني.

وأشار بوليتي إلى أن نشر الرسالتين في صحيفة لاريبوبليكا مفرغتين من نصهما جاء كإعلان حرب كاملة خفية على الفاتيكان وتهديد من هذه الشبكة إلى حين أن يغير البابا الكاردينال بيرتوني.

وتطرق بوليتي إلى أن مشكلة أزمات البابا الحالي لم يمر بها أي بابا منذ مائة عام، من الأزمة التي أثارها مع الإسلام إلى أزمته مع العالم فيما يتعلق بالواقي وبمرض الإيدز، والأزمة مع العالم الكاثوليكي بسبب تقربه من الحركة المعارضة للمجمع الفاتيكاني الثاني، وأزمة الشذوذ الجنسي، والآن أزمة إدارة الحكم المركزي للكرسي الرسولي. ورأى أن المشكلة أن البابا راتسنغر هو مفكر ولاهوتي كبير، لكنه يفتقر للكفاءة المطلوبة للقيادة الدينية والسياسية.

وخلص بوليتي إلى أن ما يحتاج إليه الفاتيكان اليوم هو الشفافية في إعطاء أجوبة صريحة للمجتمع الحديث والرأي العام العالمي وأن يكون هناك مشاركة حقيقية للأساقفة والكرادلة على المستوى العالمي في قيادة الكنيسة.

المصدر : الجزيرة