مساجين سابقون بسوريا يسردون معاناتهم

تقرير يصف بشاعة التعذيب بسوريا
undefined
قصص كثيرة يمكنك سماعها من آلاف السوريين الذين عاشوا تجربة الاعتقال أثناء الثورة، فلديهم حكايات لا تنتهي عن تلك الأوقات التي قضوها بين جدران الزنازين. وقد التقت الجزيرة نت بعض من تعرضوا لتلك "التجربة المريرة"، فتحدثوا لها عن ظروف اعتقالهم والانتهاكات التي تعرضوا لها أو كانوا شهودا عليها.

بدا عهد -وهذا اسمه المستعار- متفائلا وواثقا وهو يتحدث عن ستة أشهر من الاعتقال كان يتوقع خلالها الموت يوميا، حيث قضى منها 60 يوما في عتمة مطلقة عدا الضوء الذي رآه في غرف التحقيق، مشيرا إلى أنه كان محتجزا في مرحاض أبعاده 1.2 متر في 70 سنتيمترا.

اضطر خلال كل تلك الفترة للبقاء مثنيا دون أن يتمدد، وفي الأسبوع الأخير وضعوا معه سجينا آخر في ذلك المكان الضيق. وقال "لقد كان السجين متورطا في جريمة قتل لا علاقة لها بالثورة، وذو طباع نزقة، فكنت أتركه ينام وأحشر نفسي في الزاوية، كان هذا عبئا إضافيا، أن تحتجز في مرحاض مع شخص آخر وتضطر لاستخدامه أثناء وجوده معك".

وسمع عهد -خلال فترة سجنه في فرع الأمن العسكري- أصوات تعذيب بعض السجناء أمام باب زنزانته ليالي كاملة. كما سمع السجانين يتوعدون السجناء الآخرين بأن دورهم قريب، الأمر الذي يرهق أعصاب السجناء بانتظار تنفيذ التهديد.

وأضاف "كان السجانون يفتحون أبواب المراحيض عن السجناء، ويقتادونهم بطريقة بشعة من أجل إذلالهم، حتى البهائم لا تعامل بهذه الطريقة".

صورة بثت على موقع يوتيوب لأحد ضحايا التعذيب في سوريا(الجزيرة)
صورة بثت على موقع يوتيوب لأحد ضحايا التعذيب في سوريا(الجزيرة)

انتزاع الاعترافات
وقابل عهد -أثناء اعتقاله وتنقله بين عدة فروع أمنية- عددا كبيرا من المعتقلين من شتى المحافظات السورية، وكثير منهم تعرض لانتهاكات جسيمة واغتصابات.

وأكد أن أحد الشباب من حماة اعتقلوا والده المسن وضربوه أمامه كي ينتزعوا منه اعترافات ولإجباره على الظهور في التلفزيون السوري.

أما أبو خالد فقال للجزيرة نت "لا يمكن تخيل المعتقل. لقد كنت أقضي ساعات طويلة وأنا أتأمل هذا الكم الكبير من الرجال المحشورين في الزنزانة، كنت أظن نفسي في زمن العبيد، وأقضي ساعات أخرى وأنا واقف على قدمي لأنه لا مكان للجلوس".

وخرج بانطباع عن الأفرع الأمنية بأنها تشبه المزارع الخاصة للضباط الذين يتولونها، لا شيء ثابت لديهم، وكل شيء يسير وفقا لأمزجتهم، لافتا إلى أن المال يلعب دورا كبيرا في الحصول على بعض الامتيازات أثناء الاعتقال.

ناشط آخر قال إنه تعرض لضرب مؤذ ولم يسعفوه إلا عندما اشتد نزيفه، ومع ذلك يعترف بأن وضعه كان أفضل بكثير من وضع سجين آخر كان معه لم يضربوه أبدا، لكن في ذروة البرد تركوه عشرين يوما كاملا في الفناء المكشوف للسجن مكبلا وبلباسه الداخلي، وفوق ذلك كانوا يرشون الأرض بالماء، وعلق "لا أعرف كيف بقي على قيد الحياة".

شروط البقاء
ومن ناحيته، ذكر عهد أن الطعام رغم رداءته كان قليلا جدا ولا يسد الرمق، وفي أحيان كثيرة كان لا يحصل على شيء من أجل العشاء، إذ تنفد الكمية قبل وصول دوره، وكثيرا ما كان السجناء يضربون على أبواب زنازينهم طلبا للطعام.

وقضى معظم المعتقلين عشرات الأيام دون استحمام أو حلاقة شعر. تحدث معتقل سابق للجزيرة نت قائلا "عندما أفرجوا عني كانت رائحتي نتنة، وأعطوني قميصا باليا يتسع لثلاثة أشخاص من حجمي كي أرتديه، خاصة أني فقدت الكثير من وزني، لم يكن معي ولا ليرة لأدفعها لسيارة أجرة، لكن سائقا وافق على إبلاغي إلى البيت، رغم معرفتي أن الرائحة التي كانت تفوح مني لم تكن تحتمل، وعندما فتحت ابنتي الباب لم تعرفني وهرعت لتنادي أمها قائلة إن هناك رجلا غريبا على الباب".

وتظهر تلك القصص التي يرويها المعتقلون السابقون أن آلافا ممن لا يزالون رهن الاعتقال يعانون من ظروف لا تحقق شروط البقاء والكرامة الإنسانية.

المصدر : الجزيرة