القضاء التونسي واختلاف سبل الإصلاح

القضاء التونسي واختلاف سبل الإصلاح
undefined

مراد بن محمد-تونس

تتعرض الحكومة التونسية إلى انتقادات لاذعة بسبب ما يعتبره القضاة "مماطلة" ومحاولة لتأجيل النظر في إصلاح حقيقي للشأن القضائي بهدف إحكام السيطرة عليه من قبل وزارة العدل، في وقت تقول الوزارة إن "المنظومة القضائية متخلفة ولكن نرفض اتخاذ إصلاحات شعبوية رغم الضغط المسلط".

وتثير خطوات وزارة العدل في تعيين نحو 100 وظيفة قضائية من أصل 300 مخاوف القضاة من أن يتم استفراد الوزارة بالشأن القضائي وإدارته بالكامل بهدف توظيفه سياسيا، في المقابل ترى الحكومة أنها لم تتراجع في خطوات الإصلاح على مستوى التجهيزات والتكوين والتشريعات.

ويقول رئيس المرصد التونسي لاستقلال القضاء أحمد الرحموني إن القضاة أصيبوا بخيبة أمل جديدة جراء استبعاد الإصلاح القضائي في هذه المرحلة, موضحا أن الواقع يشير إلى أن لا شيء تغير في ملف القضاء ولم يتم حتى الآن إعلان أي إستراتيجية للإصلاح.

ويضيف للجزيرة نت أن المجالس العليا للقضاء "الموروثة عن فترة بن علي بتركيبتها ووضعها السابق لم تحل، بل استعملت في آخر حركة قضائية"، مشيرا إلى أن وزير العدل حافظ على نفس صلاحيات نظيره في عهد زين العابدين بن علي, "وزاد عليها من خلال تولي صلاحيات المجلس الأعلى للقضاء المعطل من خلال حركة التسميات والنقل في مختلف المحاكم والرتب", واستغرب تقديم الوزارة هذه الخطوة على أنها إصلاح للقطاع.

الرحموني: أصبنا بخيبة أمل جديدة جراء استبعاد الإصلاح القضائي في هذه المرحلة (الجزيرة نت)
الرحموني: أصبنا بخيبة أمل جديدة جراء استبعاد الإصلاح القضائي في هذه المرحلة (الجزيرة نت)

الفساد المالي
ويتفق القاضي محمد الخليفي مع هذا الرأي حيث إنه وعلى الميدان "لم يقع التشخيص الذي قد يبشر بأن عملية الإصلاح قادمة وستشمل كامل المنظومة التي ساهمت في الفساد المالي والإداري"، وقال إن الواقع يشير إلى تأجيل النظر في فتح ملف القضاء.

غير أن مستشار وزير العدل الفاضل السايحي قال للجزيرة نت "إننا محكومون بأن نؤسس لقضاء عادل يحترم القانون ولكننا نفضل أن نخصص الجزء الأكبر للتفكير والتشاور مع جميع الأطراف على أن نقود عملية إصلاح هشة".

ويقول الرحموني، الذي يشغل أيضا الرئيس الشرفي لجمعية القضاة التونسيين، إن الغريب في هذه المرحلة هو تضارب التصريحات بين الوزارة والحكومة, حيث يؤكد البعض في الحكومة وجود فساد قضائي، في حين ينفي مستشار الوزير وجود فساد قضائي، بل يدخل في عملية تمجيد لنزاهة القضاة.

ويشير الرحموني إلى أنه على الرغم من أن له عشرين سنة في القضاء فهو يقر بوجود فساد في المجال، في حين تنفي الوزارة، وهذا يعني في حد ذاته عدم الرغبة في الإصلاح لـ"عدم وجود موجب للإصلاح".

كما أن الخليفي يؤكد وجود مظاهر الفساد، إذ إن "من تحمل مسؤوليات في عهد نظام دكتاتوري لابد أن يكون شبهة بل إن بعضهم موسوم بالجرم السياسي من خلال انتمائه للتجمع الدستوري المنحل وترأس محاكمات سياسية".

‪الناصر العويني: ملف القضاء مسألة مستعجلة جدا وليس محل مزايدة سياسية‬ (الجزيرة نت)
‪الناصر العويني: ملف القضاء مسألة مستعجلة جدا وليس محل مزايدة سياسية‬ (الجزيرة نت)

المحاكمات الظالمة
من جهته يؤكد المحامي عبد الناصر العويني إبقاء حال القضاء على ما هو عليه من حيث النظم والأشخاص وفتح ملفات المحاكمات الظالمة، قائلا "المفروض أن ملف القضاء مسألة مستعجلة جدا وليس محل مزايدة سياسية" وكان من الممكن بدء إصلاحه فورا.

وقال العويني للجزيرة نت إن المثال الحي والمعيش هو تولي قضاة كانوا يشغلون في عهد عائلة الرئيس المخلوع بن علي هيئات تطرح عليها جرائم عائلة بن علي.

ويقول السايحي إن التركيز على قضية التعيينات لشن حملة على الحكومة "فيه شيء من التوظيف"، ويضيف أن هذه التعيينات قامت بها الوزارة بعد أن اضطرت لذلك حيث إن الوزير عيّن أثناء السنة القضائية بعد أن وجد عددا من الشواغر، فضلا عن عودة بعض المحاكم إلى العمل بعد أن تم حرقها أثناء الثورة.

وأشار إلى أن ربط مسار القضاء ببعض القضاة فيه خطأ كبير كونه طاهرا ونظيفا، مشيرا إلى أن "القضاء في أحلك الفترات لم يكن موظفا"، وقال إن قصر الإصلاح باستبعاد عدد من القضاة رؤيةٌ سطحية لأن الإصلاح يجب أن يكون متعدد الأبعاد.

وتساءل "لماذا يتم ربط الحديث عن استقلال القضاء كلما تقدمنا لاسترجاع أحد أفراد العائلة في الخارج؟"، مشيرا إلى تزامن هذه التساؤلات عن استقلالية القضاء بتقديم ملف لدى الحكومة الكندية لجلب بلحسن الطرابلسي صهر الرئيس المخلوع.

المصدر : الجزيرة