مصابو الثورة بتونس يعانون الإهمال

مسلم قصد الله أصيب برصاصة أثناء محاولة التصدي لهروب قيس بن علي (الجزيرة نت)
undefined

إيمان مهذب-تونس

لا يزال مسلم قصد الله -أحد مصابي الثورة التونسية– يتجرع مرارة الألم، فجرح ساقه اليسرى لم يندمل بعد، والرصاصة التي أصابته سببت له تعفنا أدى إلى بتر أحد أصابعه، وربما يؤدي إلى بتر كامل ساقه.

يمكث قصد الله منذ خمسة أشهر في مستشفى قصاب لجراحة العظام وتقويم الأعضاء، وفي غرفة جمعته بأربعة مصابين آخرين، يقضي يومه بعيدا عن عائلته، على أمل أن تتحسن حالته الصحية.

قصة معاناة قصد الله (23 سنة) لا تختلف في تفاصيلها كثيرا عن حالة العشرات من جرحى الثورة التونسية، حيث تمتزج فيها مشاعر الفخر بالعجز، والمعاناة بالصبر، فما تعرض له الجرحى لم يترك آثاره على أجسادهم فقط، بل لا يزال راسخا في ذاكرتهم التي تأبى نسيان ما تعرضوا له.

يضع قصد الله عكازيه بجانب سريره، ويجلس ليتبادل أطراف الحديث مع رئيس الرابطة التونسية للدفاع عن جرحى الثورة سليمان حاجي، الذي جاء لزيارته والاطمئنان عليه.

‪‬ المديوني: ظروف اجتماعية صعبة يعاني منها جرحى الثورة(الجزيرة نت)
‪‬ المديوني: ظروف اجتماعية صعبة يعاني منها جرحى الثورة(الجزيرة نت)

مستقبل غامض
وكان قصد الله  قد أصيب في 15 يناير/كانون الثاني أثناء تصديه لهروب قيس بن علي ابن شقيق الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي في منطقة الوردانين من محافظة المنستير (الساحل)، لكنه لم يندم يوما على مشاركته في الثورة التونسية، فعلى الرغم من أن البعض يلومه على ذلك فإنه يؤكد على أن ما قام به كان واجبا تجاه الوطن.

 
ونتيجة هذه الإصابة انقلبت حياة قصد الله رأسا على عقب، حيث فقد عمله الذي كان يؤّمن له قوت عائلته، ويبدو مستقبله غامضا، فهو لا يعرف كيف سيتم التعامل مع حالته التي ساءت، ربما لعدم التعامل معها بدقة منذ البداية.

ويختزل جزءا من قصته للجزيرة نت قائلا "قضيت قرابة سنة في المستشفيات، وحالتي الصحية لا تزال غير مستقرة، أجريت الكثير من العمليات الجراحية، فالرصاصة التي أصابتني، أحدثت ضررا في الأوعية التي تضخ الدم في الساق، تم بتر أحد أصابعي وربما تبتر كل رجلي".

ويضيف "ربما كانت حالتي أفضل لو نقلت للعلاج للخارج، الألم الذي أشعر به يحرمني من النوم، كرهت المستشفى والعمليات والوعود، وحتى الأمل في أن أكون كالسابق فقدته".

ولا تختلف ظروف قصد الله المعنوية والمادية عن ظروف عدد من جرحى الثورة، فأمين المديوني الذي تعرض للحرق خلال مظاهرات 14 يناير/كانون الثاني 2011، يوضح أن الحالات الاجتماعية لجرحى الثورة صعبة، لافتا إلى أن المبالغ المالية التي صرفتها لهم الدولة لم تكن تكفي لتغطية مصاريف العلاج الباهظة.

إلا أن الجرحى الذين تغيرت ملامح أجسادهم ووجوههم، كضريبة لتغير الوضع في تونس لم يندموا يوما على ما قدموه من تضحيات بفضلها استرجع التونسيون كرامتهم.

حاجي: تضحيات الشهداء والجرحى حررت البلاد من الدكتاتورية (الجزيرة نت)
حاجي: تضحيات الشهداء والجرحى حررت البلاد من الدكتاتورية (الجزيرة نت)

فخر وقلق
ويرى سليمان حاجي -الذي أسس مع بعض من جرحى الثورة رابطة للدفاع عن مطالبهم- أن تضحيات الشهداء والجرحى هي التي حررت البلاد من الدكتاتورية، وهي التي جعلت الحكومة الحالية تدير زمام الأمور في البلاد.

لكن الشعور بالفخر يعتريه أحيانا بعض القلق، وهو ما يوضحه قصد الله وحاجي للجزيرة نت، فمطالب الجرحى لم يتم التعامل معها بالسرعة المطلوبة -وفقا لرأي عدد منهم- وحتى المعاملة لم تكن أحيانا في المستوى المطلوب.

ويقول قصد الله إن جرحى الثورة ينتظرون تنفيذ وعود الحكومة، بأن يتم تسفير عدد منهم للعلاج بالخارج.

وبحسب حاجي -والذي أصيب خلال المظاهرات المطالبة بإسقاط حكومة محمد الغنوشي في 28 فبراير/شباط 2011- فإن عدد الجرحى بلغ 3200، مشيرا إلى أن جرحى الثورة هم الذين أصيبوا في الفترة الممتدة من 17 ديسمبر/كانون الأول 2010 حتى 28 فبراير/شباط 2011.

الجدير بالذكر، أن قطر ستتكفل بعلاج عشرين جريحا تونسيا، بحسب ما أعلنه السفير القطري في تونس الذي بين أنه سيتم مبدئيا نقل سبعة منهم للعلاج في قطر، في حين سيتم علاج البقية في دول أخرى على نفقتها.

المصدر : الجزيرة