أقصى اليمين يحدد هوية رئيس فرنسا
الجزيرة نت-باريس
يرى محللون سياسيون أن الحسم في الجولة الثانية من الانتخابات الرئاسية الفرنسية المقرر تنظيمها في 6 مايو/أيار المقبل سيرتبط باختيارات الناخبين الذين صوتوا لمرشحة أقصى اليمين مارين لوبين في الدورة الأولى من الاقتراع.
واعتبر هؤلاء الخبراء أن حصول زعيمة الجبهة الوطنية على نحو 18% من الأصوات يعد "سابقة تاريخية" عزوها لإهمال الحكومات المحلية المتعاقبة لبعض الفئات الشعبية ولإقدام الرئيس نيكولا ساركوزي طيلة ولايته المنتهية على ما أسموه تزكية خطاب أقصى اليمين الذي يعد الإسلام خطرا على الهوية الفرنسية ويصف المهاجرين بأنهم المسؤولون عن انعدام الأمن والبطالة في صفوف الفرنسيين وعجز نظام الضمان الاجتماعي المحلي.
بيد أن هؤلاء المحللين رأوا في فشل ساركوزي -الذي حصل على 27.18% مقابل 28.63%لغريمه الاشتراكي فرانسوا هولاند– في تصدر الجولة الأولى "انتكاسة تاريخية" لم يمن بها من قبله أي من رؤساء الجمهورية الخامسة التي أسسها الزعيم الفرنسي الراحل الجنرال شارل ديغول عام 1958.
وفسر الخبراء هذه النتيجة بما أسموه "نفور الناخبين" من الرئيس الحالي الذي تتوقع استطلاعات الرأي أن يهزم في الدور الثاني من الاستحقاق الانتخابي.
ساركوزي ولوبين
ويرى أستاذ علم الاجتماع السياسي بجامعة باريس سيلفان كريبون أن الحسم في الجولة المقبلة لن يأتي نتيجة للتنافس بين ساركوزي وهولاند، وإنما سيعكس "مآل صراع يدور حاليا بين ساركوزي ولوبين على أصوات اليمين المتطرف".
ويضيف الأكاديمي الفرنسي الذي أعد أبحاثا عدة عن أقصى اليمين أن ساركوزي يحاول جاهدا استمالة ناخبي الجبهة الوطنية، لكنه يتفادى في الوقت نفسه عقد أي اتفاق مع زعيمة الحزب.
وبالنسبة للوبين يؤكد كريبون أنها تريد صرف ناخبيها عن التصويت لساركوزي في الدور الثاني، ويفسر الباحث هذا الموقف برغبة زعيمة الجبهة الوطنية في هزيمة مرشح اليمين التقليدي، "لأنها تراهن على أن خروج ساركوزي من قصر الإليزيه سيفضي إلى تفكك حزبه الاتحاد من أجل حركة شعبية، ويمكنها من استدراج بعض أنصاره وتكوين حزب كبير يتصدر المعسكر اليميني ويكون رأس حربة المعارضة في مواجهة الاشتراكيين".
ونبه الأستاذ الجامعي في مقابلة مع الجزيرة نت إلى أن لوبين منذ تولت خلافة أبيها جان ماري على رأس الجبهة الوطنية في يناير/كانون الثاني 2011، نجحت في توسيع القاعدة الشعبية للحزب، مشيرا إلى أنها استردت ناخبي أقصى اليمين الذين صوتوا لساركوزي في 2007.
كما أفلحت في جذب المزيد من سكان الأرياف والعمال الحرفيين والعاطلين الذين فقدوا وظائفهم نتيجة إغلاق المصانع ونقل أنشطتها إلى بلدان أخرى.
وأشار كريبون إلى أن لوبين وظفت صورتها كامرأة شابة (44 عاما) في استدراج عدد متزايد من النساء اللاتي يستهويهن شجبها لبعض حالات التمييز ضد النساء في البلاد. وتوقع أن يصوت نصف ناخبي الجبهة الوطنية لساركوزي في الدورة الثانية على أن يختار خمسهم المرشح الاشتراكي ويحجم الباقون عن التصويت.
وعود انتخابية
غير أن المحلل السياسي محمد عبدي الذي عمل في وقت سابق مستشارا لحكومة ساركوزي رجح في حديث مع الجزيرة نت أن ينحاز الثلث فقط من أنصار لوبين للرئيس المنتهية ولايته بينما يذهب ثلث ثان نحو هولاند، أما الثلث المتبقي فتوقع أن يعزف عن المشاركة في الاقتراع.
ويرى أن فشل ساركوزي في تصدر الدور الأول لم يكن عائدا الى نجاح لوبين في جمع أصوات أقصى اليمين وإنما إلى أسباب أعمق.
ويعتقد عبدي أن نفور أغلبية الناخبين من الرئيس كان بسبب عدم وفائه بالوعود الانتخابية التي قطعها عام 2007، خاصة تلك المتعلقة بإحداث قطيعة مع المحسوبية ورفع القدرة الشرائية لذوي الدخل المحدود في البلاد.
أما المدير السابق لمرصد الحركات المتطرفة جان فيليب موانيه فيرى أن "الخطأ الفادح" الذي ارتكبه ساركوزي منذ وصوله إلى الرئاسة يكمن في اتباع نصائح مستشاره السياسي باتريك بويسون الذي أقنع الرئيس بأن "احتواء اليمين المتطرف لا يكون بمحاربته وإنما عبر الارتواء من خطابه وأيديولوجيته".
ويضيف الخبير الفرنسي أن هذا النهج قاد اليمين التقليدي إلى الحديث عن الإسلام باعتباره خطرا على الهوية الفرنسية وإلى تحميل المهاجرين مسؤولية انعدام الأمن وتزايد نسب البطالة وتنامي العجز في نظام الضمان الاجتماعي المحلي.
ويوضح أن ساركوزي بتبنيه وتزكيته لهذا الخطاب كسر "الطوق الأمني" الفاصل بين اليمين الجمهوري وأقصى اليمين، مشيرا الى أن اختفاء الحدود بين التيارين ستكون له "عواقب مخيفة ودائمة". وختم بأن الجبهة الوطنية أصبحت -أثناء ولاية ساركوزي- أهم تنظيم يميني متطرف في أوروبا.