قراءة بدعوة أوباما لجوبا والخرطوم

منشآت هجليج تحترق
undefined

عبد العظيم الشيخ

في رسالة نادرة وجهها عبر الفيديو إلى شعبي دولتي السودان وجنوب السودان الجمعة، حث الرئيس الأميركي باراك أوباما قيادتي البلدين إلى وقف القتال بينهما والبدء في مفاوضات مباشرة لحل النزاع بينهما، داعيا الخرطوم إلى وقف أعمالها العسكرية، وجوبا إلى وقف دعمها للمجموعات المسلحة داخل السودان.

الرسالة نادرة، لأنها تضمنت دعوة أميركية صريحة إلى دولة جنوب السودان لوقف دعمها للجماعات المتمردة على نظام الخرطوم.

ولعل قراءة متأنية لرسالة أوباما تتيح لنا الوقوف على الأسباب التي حدت بالرئيس الأميركي إلى إظهار حرصه على نزع فتيل الأزمة بين الدولتين الجارتين في أفريقيا.

مخطئ من يظن أن دعوة أوباما للجانبين جاءت من منطلق إنساني بحت. ذلك أن مصالح الولايات المتحدة في تلك المنطقة متعددة ومتشعبة.

فقد أدانت كل من الولايات المتحدة والأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي دولة جنوب السودان لاحتلالها منطقة هجليج الغنية بالنفط الأسبوع الماضي حتى أشرفت الدولتان على الانزلاق في أتون حرب شاملة.

وتعتبر جوبا هجليج، التي تُسميها منطقة بانتو، جزءا لا يتجزأ من دولة جنوب السودان الوليدة وذلك على الرغم من أن محكمة التحكيم الدائمة -ومقرها لاهاي في هولندا- قضت في 2009 بتبعية هجليج للسودان، فهي تقع خارج حدود منطقة أبيي المتنازع عليها بين الدولتين.

لكن ما هي الدوافع وراء رسالة أوباما إلى شعبي البلدين؟ هل هو النفط الذي دائما ما تسيل له لعاب واشنطن أم ثمة أسباب أخرى؟

معلوم أن اهتمام واشنطن بالسودان زاد بدرجة ملحوظة عقب نجاح شركة شيفرون الأميركية في اكتشاف مخزونات مقدرة من النفط عام 1978 في المنطقة التي أصبحت بعد التاسع من يوليو/تموز 2010 دولة قائمة بذاتها تُسمى جنوب السودان.

ثم أخذت تلك العلاقة بعداً آخر بعد هجمات 11 سبتمبر/أيلول 2001 على نيويورك وواشنطن حيث بات السودان جبهة يمكن للولايات المتحدة أن تحقق من خلالها اثنين من أهدافها المتشابكة والمتمثلين في محاربة ما تسميه "الإرهاب الإسلامي" وضمان أمن الطاقة بعيدا عن منطقة الشرق الأوسط المضطربة.

وسبق لأحد مراكز البحث الأميركية، وهو مجموعة مبادرة سياسات النفط الأفريقية، أن نشر تقريرا في 2002 أثبت فيه أن النفط الأفريقي يمثل "أولوية إستراتيجية" للولايات المتحدة.

قد يكون النفط وراء دعوة أوباما التي نحن بصددها، فإدارته لا تريد مزيدا من التوتر في المناطق الغنية بالنفط. ورغم علاقتها الوطيدة مع جوبا، فإن أوباما حث حكومة جوبا على الكف عن دعم الجماعات المسلحة المناوئة للخرطوم حتى يبدو متوازنا في رسالته، ولأنه لا يستطيع أن يقف على نحو فاضح مع دولة اعتدت على أراضي دولة جارة، وهو الذي ظل يبشر بمبادئ العدالة والمساواة واحترام القوانين والأعراف الدولية.

ليس هذا بالطبع هو كل ما حدا بأوباما لتوجيه رسالته تلك. فهناك خوف من أن تحقق الخرطوم نصرا عسكريا ساحقا على دولة جنوب السودان، مما يقوي من موقف حكومة الرئيس عمر البشير التي ما فتئت الإدارات الأميركية المتعاقبة تحرص على تصويرها في هيئة شيطان رجيم.

ثم إن أي انتصار عسكري للخرطوم سيجعل الدولة الوليدة في الجنوب في موقف ضعف، وهو ما تخشاه الولايات المتحدة التي كانت عرَّاب انفصالها عن الدولة الأم.

ثمة دافع آخر هو أن أوباما أراد برسالته هذه تخفيف حدة التوتر بين دولتي السودان وجنوب السودان في هذه الفترة بالذات التي تسبق انتخابات الرئاسة الأميركية في نوفمبر/تشرين الثاني المقبل، تحسبا من نشوب أزمة دولية جديدة قد تجد إدارته نفسها مضطرة للخوض في وحلها وهي لا تدري إلى أين سينتهي بها المطاف.

المصدر : مواقع إلكترونية