الشيخ نمر شاهد على النكبة

قرية حرفيش قضاء صفد هجر أهلها إلى لبنان.. لكن بعضهم عاد للقرية وعمرها
undefined

محمد محسن وتد-صفد

ارتبطت شخصية الشيخ نمر نمر بالنكبة، فقد شهدها حينما كان في السابعة من عمره، ولا تزال أحداثها طازجة في ذاكرته وكأنها جرت بالأمس. وكانت عودته لمسقط رأسه حرفيش، بقضاء صفد، بعد ثلاثة أشهر من المعاناة خارج فلسطين، محفوفة بمخاطر الموت أكثر مما كان خلال التشريد والتهجير.

ورغم صغر سنه أيام النكبة إلا أنه تشرب بمشاهدها التي ظلت ترافقه حتى يومنا هذا، إذ رسخت بمخيلته مشاهد اللجوء، فالذكريات ما زالت عالقة بمخيلته والشوق والحنين لفلسطين يخفقان بقلبه.

فوجئ عندما كان يلعب بالحارة مع إخوانه وأطفال الجيران بنزوح عائلات القرى المجاورة ووجهتها إلى الشمال، سوريا ولبنان، قائلا "تكرر المشهد وتواصل لعدة أيام، فمسلسل التشريد حط بعائلات من الجليل وقضاء حيفا والناصرة وعكا، عائلات مثقلة بالهم والخوف والأحزان والمحن ولسان حالها يقول: رغيف خبز وشربة مياه".

‪الشيخ نمر تحدى وعائلته النزوح واللجوء وعادوا لمسقط رأسهم قرية حرفيش‬ (الجزيرة)
‪الشيخ نمر تحدى وعائلته النزوح واللجوء وعادوا لمسقط رأسهم قرية حرفيش‬ (الجزيرة)

هول النكبة
رافق الجزيرة نت الشيخ نمر نمر بمسيرة العودة إلى قرية سحماتا المهجرة قضاء صفد عشية الذكرى الـ64 للنكبة، فهي كما يقول "تشكل نموذجا مصغرا لما حل بالشعب الفلسطيني"، لم يبق من القرية سوى الأنقاض وشواهد المقبرة الإسلامية، البيوت بكاملها سويت أرضا، فبقايا كنيسة القرية وصبارها وزيتونها كما حجارة مسجدها شاهدة على أهلها رغم محاولة إسرائيل طمسها وإخفاء معالمها بالأشجار الحرجية والغابات.

وعاد بذاكرته إلى المشاهد الأولى للنكبة، ليسرد بداياتها "للوهلة الأولى لم نعِ ما يحصل.. حتى طالت قريتنا نيران العصابات اليهودية. فالمشهد المؤلم الذي بقي راسخا بمخيلتي هروب آلاف العائلات المهجرة باتجاه الشمال، لاجئون شبه عراة وحفاة، وامرأة تحمل طفلين وثالث على ظهرها والشيوخ يحملون أنفسهم بصعوبة".  

وروى تفاصيل اليوم الثالث للأحداث، حيث بات الجميع يتحدث عن حرب تدور رحاها بين اليهود والعرب، لكن على ماذا؟ فالإجابة أتت لاحقا. ومضى قائلا "اعتقد الناس بأن العودة لقراهم ستكون بعد أيام أو أسابيع بالأكثر. كلمات النزوح عن فلسطين واللجوء بالوطن والشتات لم تدخل ذاكرتنا إلا بعد أن كبرنا وترعرعنا على هول النكبة".

نزوح وعودة
ويضيف الشيخ مشيرا إلى تزايد التهجير في قريتهم حرفيش "أتذكر وكأن ذلك يحدث بهذه المرحلة الآنية. دخلت مجموعات من الجنود اليهود القرية مدججين بالسلاح، ودفعوا بالسكان العزل تحت التهديد والوعيد لترك بيوتهم وأجبروهم على اجتياز الحدود، لنعيش كغيرنا من العائلات المهجرة بلبنان حالة نزوح وفوضى".

ما تبقى من مبنى الكنيسة بقرية سحماتا(الجزيرة)
ما تبقى من مبنى الكنيسة بقرية سحماتا(الجزيرة)

"وطالت أيام النزوح وشعرنا بمرارة التهجير والتشريد، بتنا لا نحتمل وطأة اللجوء رغم احتضان منزل جدي بحصبيا لنا". وتابع نمر "عملت والدتي بالمثل الشعبي القائل "إللي يخرج من داره بنقل مقداره". قررت أمي بعد ثلاثة أشهر من النزوح ترك منزل والدها والعودة إلى الوطن، اصطحبتنا وإخواني ورافقتنا أربع عائلات وعدنا ليلا، حيث اجتزنا الحدود، وعندما أقبلنا على القرية قوبلنا برصاص المقاومة الفلسطينية التي اعتقدت بأننا من عصابات الهجانا".

غبار الطمس
ويتساءل الشيخ بلوعة وحسرة: لماذا لم تعد العائلات المشردة فورا لقراها وأراضيها؟ "فحين أسافر من قريتي وأراقب أطلال القرى المهجرة أتذكر تلك المشاهد وحجم كارثة النكبة، فأشعر بأن جذورا عميقة تربطني بوطني، فأنا لست بسائح أو بقادم جديد ولا بمهاجر جاء حديثا لهنا، فكلما تقدمت بالعمر أكثر وأكثر أشعر أن الرابطة الروحية تزداد وتعمق وجودي بالأرض".

يروي الشيخ نمر نمر التاريخ ويسهم بصقل الذاكرة الجماعية ويعزز رواية الشعب الفلسطيني المرتهن لحالة النكبة، لينفض غبار الطمس لمعالم المشهد الفلسطيني الذي دأبت عليه المؤسسة الإسرائيلية.

المصدر : الجزيرة