أحمد بن بلة.. حياة مقاتل

A picture taken on September 10, 1962 shows Ahmed Ben Bella (L) speakig to colonel Houari Boumediene in Algiers. France and the Algerian National Liberation Front (FLN) signed a treaty on March 18, 1962 in the French Alpine town of Evian putting an end to the Algerian war which had lasted for almost eight years and resulted in hundreds of thousands of deaths. Ahmed Ben Bella, who will become the first president of independent Algeria, has been freed on the day of the signature of the treaty.
undefined

غيب الموت في العاشر من أبريل/نيسان 2012 أحمد بن بلة أول رئيس للجزائر بعد استقلالها عن فرنسا في 1962 عن سن تناهز 96 عاما، وهو أحد رموز ثورة التحرير التي حملته إلى السلطة عبر صناديق الاقتراع قبل أن يُطاح به ليتقلب بعد ذلك بين السجون والمنفى لسنوات طويلة.

وأعلنت السلطات الجزائرية الحداد ثمانية أيام على الرجل الذي وصفته صحف جزائرية بأحد القادة التاريخيين للثورة وأبي الجزائريين وحكيم أفريقيا، مشيرة إلى أن رحيله يأتي قبل أقل من ثلاثة أشهر من الذكرى الخمسين لاستقلال البلاد في الخامس من يوليو/تموز.

دوره في الثورة
كان بن بلة من مؤسسي جبهة التحرير الوطني الجزائرية في 1954، وقد كانت الجبهة رأس حربة في مقاومة الاحتلال الفرنسي سياسيا وعسكريا.

واجه بن بلة الاحتلال الفرنسي من خلال جبهة التحرير، وقبل ذلك من خلال حزب الشعب -الذي كان يعد أكثر الأحزاب راديكالية في مواجهة الاستعمار- وحركة انتصار الحريات الديمقراطية، وأيضا من خلال ما يعرف بالمنظمة الخاصة التي كانت نواة للكفاح المسلح.

اعتقلت سلطات الاحتلال بن بلة عام 1950 وظل في السجن سنتين وحكم عليه بعدها مباشرة بالسجن سبع سنوات، بيد أنه تمكن من الهرب من السجن وغادر الجزائر إلى مصر حيث انضم إلى مناضلين آخرين بينهم حسين آيت أحمد ليشكلوا فريقا خارجيا لجبهة التحرير.

مرة أخرى يقع الرجل في قبضة سلطات الاحتلال الفرنسية حين حول سلاح الجو الفرنسي عام 1956 وجهة الطائرة التي كانت تقل بن بلة وقياديين آخرين في جبهة التحرير بينهم محمد بوضياف وحسين آيت أحمد ورابح بيطاط إلى مصر، وقد وضع الجميع في سجن بفرنسا حتى الاستقلال.

قال الرئيس الأسبق الراحل عن نفسه في مقابلة صحفية أُجريت معه قبل ست سنوات تقريبا من وفاته، إن حياته كانت حياة مقاتل بدأت في سن السادسة عشرة، وما تزال بنفس التوهج. وقد كان بن بلة واحدا من آلاف الشبان الجزائريين الذين قاتلوا في صفوف القوات الفرنسية ضد النازيين -قبل اندلاع حرب التحرير- بناء على وعود بمنح الجزائر استقلالها.

السلطة والانقلاب
بعد عودته من فرنسا حيث كان مسجونا، تقلد بن بلة منصب رئيس الوزراء قبل أن يُنتخب في سبتمبر/أيلول 1963 أول رئيس للجزائر ليجمع بين المنصبين. وكان جمعه بين أكثر من منصب من بين حجج استخدمها خليفته الراحل هواري بومدين باسم مجلس الثورة لعزله في 19 يونيو/حزيران 1965.

وكان بومدين آنذاك وزيرا للدفاع ونائبا للوزير الأول. ومن بين الاتهامات التي وجهها لبن بلة الخروج عن مسار الثورة، وإرساء دكتاتورية من خلال الاستئثار بتسعة مناصب في الدولة. حل بومدين محل بن بلة الذي وُضع حتى عام 1980 في فيلا بمنطقة معزولة، كانت بمثابة سجن قضى فيه 15 عاما.

المنفى والمعارضة
بعد رفع القيود عنه بمقتضى عفو من الرئيس الأسبق الشاذلي بن جديد، سافر بن بلة إلى فرنسا، ومن هناك أعلن نفسه معارضا للسلطة القائمة في بلاده إذ أنشأ حزبا أطلق عليه الحركة من أجل الديمقراطية.

وبعد ما يقرب من عقد من الزمن أمضاه في المنفى الاختياري بين فرنسا وسويسرا معارضا لنظام بن جديد ولسياسة الحزب الواحد، عاد بن بلة إلى الجزائر التي بدأت تشهد انفتاحا سياسيا بلغ ذروته بانتخابات ديسمبر/كانون الأول 1991 التشريعية التي فازت بها جبهة الإنقاذ الإسلامية (التي حُظرت لاحقا).

ومع أن حزبه لم يحقق شيئا يذكر في تلك الانتخابات التي كانت أول تطبيق عملي حقيقي للتعددية السياسية، إلا أن بن بلة اعترض على قرار إلغاء الانتخابات، واعترض بعد ذلك على حل الجبهة في مارس/آذار 1992 ليغادر مجددا إلى المنفى الاختياري.

وكان يرى أيضا أن المجلس الأعلى للدولة الذي تشكل بعد إلغاء الانتخابات وإقالة الشاذلي بن جديد غير شرعي. وبعد اندلاع أعمال العنف في الجزائر، كان الرئيس الأسبق الراحل من الداعين إلى المصالحة الوطنية، وقد عاد نهائيا إلى بلاده في 1999.

فكره ومواقفه
يُصنف عروبيا، وقد كان داعما للقضايا العربية، وسعى لنشر اللغة العربية في بلاده حين كان في السلطة، لكن ذلك لم يمنعه من محاولة تطبيق برامج اشتراكية، وإقامة علاقات وطيدة مع دول مثل الاتحاد السوفياتي ويوغسلافيا السابقة وكوبا.

كان محبا للرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر ولذلك سعى الأخير لدى السلطات الجزائرية إلى الإفراج عنه دون جدوى. وفسر بن بلة وفاءه لعبد الناصر بأن الأخير قدّم للجزائر أثناء معركة التحرير دعما أكثر من أي شخص آخر في الوطن العربي.

نفى عن نفسه صفة اللائكية، وأعلن في المقابل أنه ليس خمينيا ويرفض حكم الفقهاء. وشدد على أن الانتفاضات التي شهدتها الجزائر وتكللت بمعركة التحرير نبعت جميعها من القيم العربية والإسلامية.

وقال أيضا إنه قرأ كثيرا أثناء فترات سجنه للتعرف على الفكر الإسلامي، وإن القرآن الكريم كان رفيقه في السجون.

كان بن بلة أيضا من دعاة وحدة المغرب العربي، ومن الساعين إلى إنهاء النزاعات في أفريقيا حيث رأس لجنة الحكماء في الاتحاد الأفريقي.

قالوا عنه
– عبد العزيز بوتفليقة (الرئيس الجزائري):
"الجزائريون يبكون اليوم رجلا عظيما أضاء بحكمته وبصيرته الطريق إلى الحرية وبناء دولة الجزائر".

– الجامعة العربية:
"كان قائدا فذا ومجاهدا صلدا وبطلا شجاعا في مقاومة  الاستعمار والهيمنة بكافة أشكالها".

– فرانسوا هولاند (مرشح الحزب الاشتراكي لانتخابات 2012 الرئاسية):
"سيظل بالنسبة للفرنسيين وبالنسبة للجزائريين أحد رموز حقبة تاريخية حاسمة لبلدينا".

المصدر : الجزيرة