قضاء مصر.. الثورة بعد المداولة

مظاهرة سابقة أمام مكتب النائب العام تطالب بعزله
undefined


عبد الرحمن سعد-القاهرة

أكد خبراء أن حال القضاء المصري لم يتغير بعد الثورة، وأن ميزاته وعيوبه باقية كما هي، وأن أبرز التحديات التي تواجهه استمرار المحسوبية في التعيينات، معربين عن تفاؤلهم بأنه يتجه إلى الاستقلال التام عن السلطات الأخرى سواء بالنص على ذلك في الدستور الجديد، أو إصدار قانون السلطة القضائية من البرلمان المقبل، أو إجراءات الرئيس محمد مرسي التي انحازت إلى تيار الاستقلال باختيار نائبه ووزيره للعدل منه.

وحذر هؤلاء الخبراء من أن هذا القضاء لا يزال يضم رموزا من العهد القديم. ورفضوا أن يعتبروا صدور قرار من الرئيس المصري محمد مرسي بتعيين النائب العام المستشار عبد المجيد محمود سفيرا لمصر بالفاتيكان، ثم العدول عنه؛ أزمة أو صداما بين الرئاسة والقضاء، مؤكدين أن تغييره مطلب نادت به الثورة.

علاقة جدلية
وقال منسق حملة "معا للاستقلال الكامل للقضاء"، والمتخصص في الشأن القضائي، حسن القباني إن المؤسسة القضائية في مصر هي إحدى السلطات الثلاث (التشريعية والتنفيذية والقضائية) التي يقوم عليها النظام المصري، وإن الرئيس هو الحكم بينها، وإن العلاقة جدلية ومحتدمة ومتشابكة دوما بين السلطتين القضائية والتنفيذية، وهذا ما ظهر في مذبحة القضاء في عهد الرئيس الأسبق جمال عبد الناصر عندما أراد توجيه القضاء والقضاة في اتجاه الدولة.

حسن القباني: العلاقة محتدمة ومتشابكة دوما بين السلطتين القضائية والتنفيذية (الجزيرة نت)
حسن القباني: العلاقة محتدمة ومتشابكة دوما بين السلطتين القضائية والتنفيذية (الجزيرة نت)

وأضاف أن القضاء المصري لم يتغير بعد ثورة 25 يناير، فما زالت القوانين كما هي لم تتغير، كما أنه لم يتخلص بعد من رجال نظام الرئيس المخلوع حسني مبارك الذي "حرص على زرع رجاله بكل موقع"، وفي المقابل حرص الرئيس مرسي على تعيين رموز تيار الاستقلال القضائي في مناصب قيادية؛ كي يتمكنوا من إقرار مشروعهم الإصلاحي لمؤسسة القضاء، مما أوغر صدر جناح يُحسب على النظام السابق، يتصدره الآن رئيس نادي القضاة المستشار أحمد الزند، وفق القباني.

وأكد القباني في حديث للجزيرة نت أن النظام السابق ما زال يمارس برجاله في القضاء تسييسا واضحا لبعض الدعاوى القضائية لصالح إنقاذ رموزه من العقوبات، وهو ما ظهر في تجاهل هيئات قضائية لممارسة حقها في التحقيق، وإعادة التحقيقات، والاكتفاء بما تحت يدها من أوراق في الفصل في دعاوى مصيرية.

قضايا قابلة للتوجيه
من جهته رأى رئيس نادي القضاة السابق المستشار زكريا عبد العزيز أن القضاء مؤسسة من مؤسسات الدولة، وقد حافظت على نفسها قبل الثورة، وبعدها، ولكنها كأي مرفق يعاني من خلل وقصور بشري، موضحا أن دور القاضي تطبيق القانون، والحكم بالعدل بين الناس.

وأضاف للجزيرة نت أنه في ظل النظام السابق كانت هناك قضايا معينة تتعرض للتوجيه القضائي، عبر إسنادها إلى دوائر معينة، فضلا عن الاستعانة بقضاة ونائب عام تابعين للنظام، وهذا الحال استمر بعد الثورة، ولوحظ في قضية التمويل الأجنبي.

وتابع "كانت المحسوبية في التعيينات أسوأ ما شهده القضاء في عهدي السادات ومبارك، بالإضافة إلى الاستعانة بقضاة عسكريين وضباط شرطة، لكن استمر ولاؤهم للنظام السابق".

الثوار طالبوا مبكرا بعزل النائب العام بوصفه واحدا من رموز نظام مبارك (الجزيرة نت)
الثوار طالبوا مبكرا بعزل النائب العام بوصفه واحدا من رموز نظام مبارك (الجزيرة نت)

القضاء معذور
لكن المتحدث الرسمي باسم حركة "قضاة من أجل مصر" والرئيس في محكمة شمال القاهرة المستشار وليد الشرابي يرى أن القضاء المصري معذور، لأن أكبر مشكلة تواجهه الآن طمس الحقائق، إذ تُعرض عليه القضايا الخاصة برموز النظام السابق خالية من الأدلة فيحكم لهم بالبراءة.

وأكد للجزيرة نت الحاجة الماسة إلى خروج التفتيش القضائي من ولاية وزير العدل، مقرا بأن هناك قضاة ما زالوا يميلون للنظام السابق لأن مصالحهم كانت معه.

الدستور ضمانة
ومتفقا معه، قال عضو اللجنة التأسيسية لصياغة الدستور وأستاذ القانون الدستوري بجامعة عين شمس الدكتور رمضان بطيخ للجزيرة نت إن القضاء في مصر مستقر وذو خبرة عالية لدرجة أنه لا تخلو دولة عربية من الاستعانة بقضاته، قائلا إن الدستور وضع حواجز بين السلطات الثلاث، حتى لا تجور سلطة على الأخرى.

وحذر من أن السلطة التنفيذية ما زال لها دور في تعيينات القضاة وانتدابهم، كما أن تبعية التفتيش القضائي لوزارة العدل تؤثر على استقلال القضاء، "لذلك نعمل في الدستور الجديد على كفالة ما يضمن استقلال القضاء استقلالا تاما عن السلطات الأخرى، ومتمتعا بميزانية مستقلة".

أما رئيس قسم القانون العام بكلية الحقوق في بجامعة القاهرة الدكتور أحمد أبو الوفا فقال للجزيرة نت إن القضاء في مصر لا بد أن يطهر نفسه بنفسه، وإنه يجب أن "يُصان، ولا يُهان".

ودعا إلى تفعيل لجان الصلاحية والتفتيش القضائي، محذرا من أن هناك قوى سياسية لا تتصرف بحسن نية، وتحاول التأثير على القضاة.

الرئيس والنائب العام
وبشأن قرار مرسي تعيين النائب العام سفيرا ثم عدوله عنه، يقول القباني "النائب العام قال إن سوء فهم حدث نتيجة موافقته المبدئية على تعيينه، ثم استجاب الرئيس للمجلس الأعلى للقضاء بإعادته لعمله، إعلاء لقيمته كممثل للقضاة"، مشيرا إلى أن الكيد السياسي سيطر على المشهد، وأنه كان واضحا "خوف القوى السياسية من فشل جمعة الحساب، بعد نزول الإخوان في مظاهرات النائب العام، فكان انحيازهم للأخير ردا سياسيا على نزول الإخوان، وعدم نجاح الجمعة".

ورأى المستشار زكريا عبد العزيز أن ما حدث بين الرئيس وعبد المجيد قد شهد توظيفا سياسيا من قبل قضاة منتفعين، للدفاع عن مصالحهم.

بينما أكد المستشار وليد الشرابي أن هناك توافقا بين قوى الثورة على تغيير النائب العام كمطلب ثوري، لأن دم الشهداء في رقبته، بينما رأى الدكتور رمضان بطيخ أن ما حدث أمر مؤسف، وترتبت عليه مهاترات أثرت سلبا على نظرة الرأي العام لمؤسستي القضاء والرئاسة معا.

المصدر : الجزيرة