حرية الاعتقاد.. رؤية إسلامية جديدة

شعار المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات

undefinedنشر المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات بحثا جديدا يتناول من منظور تجديدي ومستحدث مفهوم حرية الاعتقاد في الإسلام وأحكام الرِّدَّة.

وفي هذا الإصدار، يقدم الباحث يحيى جاد وجهة نظر جديدة، حيث يعتبر أن مسألة الردة وحرية الاعتقاد في الإسلام من المسائل التي "لم يحسم العقل المسلم المعاصر رأيه فيها بعد، رغم خطورتها وأهميتها ومحوريتها".

ويراجع الباحث في هذا البحث -على وجه الخصوص- مسألة حد الردة، وحَدُّها القتل كما هو مشهور بين جمهور العلماء. مؤكداً أن ذلك ليس مما يفهم من ظاهر العديد من الآيات القرآنية والأحاديث النبوية. ويفسر إقامة هذا الحد في عهد النبي صلى الله عليه وسلم بكون الردة حينها اقترنت بانضمام المرتد إلى معسكر الكفار في مناكفة الإسلام وقتال المسلمين.

لا إكراه
وينطلق الباحث في مراجعته الفكرية والفقهية من قاعدة "لا إكراه في الدين" بوصفها "قاعدة شرعية وعقلية كلية" لا يجوز القول بما يضادها أو يصادمها كلياً أو جزئياً، ابتداءً أو إبقاءً، أي لدخول الإسلام أو البقاء عليه. وارتكز الباحث على هذه الآية وما سواها بصورة أساسية، للتأكيد على مبدأ أن الإكراه لا يُنتج ديناً، وإنما نفاقاً وكذباً وخداعاً.

وأشار الباحث -في مقدمة دراسته- إلى أن موضوع الردة وحرية الاعتقاد خاضع للاجتهاد والاختلاف، وأن الغاية هي الوصول إلى حكم الله الشرعي بالاعتماد على الكتاب والسنة.

الردة التي يتعين البحث في حُكمها هي "الردة المحضة"، أي مجرد الخروج من الإسلام، سواء كان ذلك بالتحول إلى غيره من الأديان، أو بالخروج منه إلى غير دين

وقال جاد إن الردة التي يتعين البحث في حُكمها هي "الردة المحضة"؛ أي مجرد الخروج من الإسلام، سواء كان ذلك بالتحول إلى غيره من الأديان، أو بالخروج منه إلى غير دين، أو -بتعبيرٍ أكثر دقة- مجرد الرجوع عن الإسلام صراحة، والتخلي عنه بعد الدخول فيه دون إعلان العداء له وللأمة.

وأضاف أن الخروج على الإسلام متعلق بالعداء للإسلام، من حيث اللحاق بأعدائه أو أعداء أمته، أو بالتشنيع عليه والكيد له أو لأمته، أو بمحاولة تحويل عوام المسلمين عن دينهم من غير طريق المبارزة الفكرية والإقناع والاقتناع العقلي، وإنما بالتغرير بهم أو التلبيس والتدليس عليهم، باستغلال جهلهم أو حاجتهم وفاقتهم وسوء أوضاعهم.

فروق واضحة
ثم عاد الباحث ليوضح أن الخروج على الإسلام لا يعادل الردة أو يماثلها، ولا هو بلازمة من لوازمها الحتمية، ومن ثم يتعين الوعي بالفرق بينهما والتنبه إليه، مع تأكيده أن الخارج على الإسلام يستوجب إنزال العقاب به قطعاً، لما يمثله من خطر على مقومات الاجتماع الديني وأصول الإسلام وعلى أصول المجتمع وعلى الأمن العام، إذ هو محارب -سواء كانت الحرابة  فكريةً معنوية، أو حربيةً مادية- لا محاور ولا مسالم.

واستند الباحث في عدم معاقبة المرتد إذا لم يخرج على جماعة المسلمين، إلى قوله تعالى "لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ" [البقرة 256]. وقال إن الآية تقرر قضية كلية قاطعة، وهي أن الدين لا يكون ولا يمكن أن يكون بالإكراه، وجيء بنفي الجنس "لا إكراه" لقصد العموم نصاً، وهذا دليل واضح على إبطال الإكراه على الدين بسائر أنواعه، فالدين إيمان واعتقاد يتقبله عقل الإنسان وينشرح له قلبه، وهو التزام وعمل إرادي، والإكراه –بأي شكل وتحتَ أي مسمىّ كان- ينقض كل هذا ويتناقض معه.

الردة وإن كانت أفحش معصيةً، إلا أنها لا تستوجب العقاب ما لم يترتب عليها إضرارٌ فعلي بأحد أو إخلالٌ عملي بنظام

ويضيف أن "لا إكراه في الدين" لأنه "قد تبين الرشد" (أي طريق الحق والفلاح والنجاة) "من الغي" (أي طريق الباطل والخسران والهلاك)، تعليل رباني بديع غير قابل -على الإطلاق- للإبطال أو المعارضة بدعوى نسخ أو تخصيص أو تقييد، لأنه تعليل عقلي منطقي قطعي يزيد جملة "لا إكراه في الدين" إحكاماً على إحكام، وقطعية على قطعية.

وأورد الباحث من القرآن الكريم آيات تدل على حرية الاعتقاد والاعتناق، منها قوله تعالى "قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُمُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَمَا أَنَا عَلَيْكُمْ بِوَكِيلٍ" [يونس 108].

وآيات أخر مثل "وَقُلِ الْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ فَمَن شَاء فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاء فَلْيَكْفُرْ" [الكهف 29]. و"لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا، وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً، وَلَكِنْ لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ، فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ"، و"يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لَا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ" [المائدة 48، 105]، و"وَإِن كَذَّبُوكَ فَقُل لِّي عَمَلِي وَلَكُمْ عَمَلُكُمْ أَنتُمْ بَرِيؤُونَ مِمَّا أَعْمَلُ وَأَنَاْ بَرِيءٌ مِّمَّا تَعْمَلُونَ" [يونس 41]، "وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَنْ فِي الأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ" [يونس 99].

وخلاصة هذا كله بحسب جاد، أن الردة وإن كانت أفحش معصيةً، إلا أنها لا تستوجب العقاب ما لم يترتب عليها إضرارٌ فعلي بأحد أو إخلالٌ عملي بنظام، إذ لا تدخل في باب حرية التعبير عن الفكر والاعتقاد أي ممارسة عملية ضد الأوضاع التي تقررها الأمة.

وأشار الباحث -اعتماداً على دراسات أجراها حول الحديث الشريف والسنة النبوية المطهرة- إلى أن الردّة في عهد رسول الله وصحابته كانت مقترنة اقتراناً آلياً بالعداوة للإسلام ومحاربته، بحيث إن أي مرتد عن الإسلام كان ينضم فعلياً إلى المحاربين للإسلام". وهؤلاء المرتدون على عهد النبي وصحابته، إن تم القبض عليهم قبل انضمامهم لأعداء الإسلام ومحاربيه قٌتلوا، وإن فروا فليس إليهم من سبيل. 

المصدر : الجزيرة