سهرات مديح نبوي رمضانية بموريتانيا

من بعض المداحين مع منعشة المهرجان

من بعض المداحين مع منعشة المهرجان (الجزيرة نت)

أمين محمد-نواكشوط

للموريتانيين في تقضية ليالي رمضان مذاهب شتى، فبينما يتجه بعضهم لقضاء الليل في الزيارات العائلية وصلات الأرحام، يفضل آخرون الخلود إلى الراحة بعد يوم قاس من الصوم في هذه الأيام الساخنة، لكن كثيرين يتوجهون صوب السهرات الليلية وخصوصا منها تلك التي ينعشها المداحون للنبي صلى الله عليه وسلم.

ليالي رمضان على أنغام المديح النبوي في موريتانيا لها وقع خاص (الجزيرة نت)
ليالي رمضان على أنغام المديح النبوي في موريتانيا لها وقع خاص (الجزيرة نت)

ويتابع الموريتانيون بشغف كبير حلقات المديح النبوي، وتشكل متنفسا للذين يرغبون في الحصول على سهرات نغمية بمقاييس رمضانية، في الوقت الذي يقل فيه الإقبال بشكل لافت على السهرات التي ينعشها الفنانون التقليديون خلال موسم رمضان الذي يحظى بتقدير خاص في موريتانيا، تماما مثلما عليه الحال في أغلب دول العالم الإسلامي.

وأدت موجة الإقبال اللافت على المديح النبوي في السنوات الأخيرة إلى تسابق بعض المؤسسات والجهات المهتمة لتنظيم مهرجانات خاصة بالمديح، كمهرجان "المداح" الذي تنظم في رمضان الجاري نسخته الثانية ويبثها التلفزيون الموريتاني، ويتبارى عشرات المداحين المشاركين فيها للفوز بلقب مداح الرسول صلى الله عليه وسلم.

ويقول المهتمون بالمديح إنه خصوصية موريتانية، وأن لا وجود لما يشبهه في المنطقة العربية إلا المديح السوداني، بالرغم من فروق واختلافات كثيرة في الطقوس والأساليب، بل وفي الممارسين والمهتمين.

عضو لجنة التحكيم عبد الرحمن أحمد سالم في مهرجان المداح (الجزيرة نت)
عضو لجنة التحكيم عبد الرحمن أحمد سالم في مهرجان المداح (الجزيرة نت)

خصوصيات
ويعتقد عضو لجنة التحكيم في مسابقة المداح عبد الرحمن ولد أحمد سالم أن للمديح الموريتاني مميزات وخصوصيات، من بينها أنه لون موسيقي يجمع بين كل الأعمار والأجناس، وأنه نمط يخص قدماء العبيد، وفي الواقع فإنه لا يشبه سوى مدح رعاة الإبل (المعروفون محليا بأزناكه)، لكن الأخير أقرب إلى الحداء منه إلى المديح، ويتميز بكثرة المواويل، وقلة الترنيم، بينما المديح أكثر إيقاعية، وكأنه تعبير عن إرادة الانتفاض من لدن العبيد، في حين أن للرعاة مساحة من الزمن

ومساحة من الأرض، وفضاء من الحرية.

ويشير ولد أحمد سالم إلى أن المديح هو في أصله جزء من موسيقى العبيد الموريتانيين، متقاطعا بذلك مع ما يعرف محليا بـ"بنج" التي هي نوع من التصالح بين السادة والعبيد، فقد جرت العادة أن يبدأ العبيد سهراتهم الليلية بحضور أسيادهم بالمديح النبوي بعد يوم قاس وشاق من العمل المضني في الصحراء القاحلة، وبعد أن يغادر الأسياد ينصرف العبيد إلى موسيقاهم الخاصة (بنج) التي تحمل مضامين تختلف كليا وجذريا عن مضامين المديح.

ويضيف في حديثه إلى الجزيرة نت أن مهرجان المداح أعاد للمداحين ثقتهم بفنهم، وردهم إلى جذورهم، وأحيا نصوصا كادت أن تندثر، كما منح للمتلقين شيئا من التميز في طعم المديح الأصيل، مع شيء من التمدن والتطوير.

من جمهور القاعة الرئيسة للمهرجان (الجزيرة نت)
من جمهور القاعة الرئيسة للمهرجان (الجزيرة نت)

أهداف
وهذا التطوير هو جزء من أهداف مهرجان المداح بحسب ما يقول مدير مؤسسة الإنتاج (برولانس) التي تنتج البرنامج، إسحاق ولد المختار، مؤكدا للجزيرة نت "أن الدفاع عن الرسول صلى الله عليه وسلم من خلال هذا المديح بعد موجة الإساءات له صلى الله عليه وسلم كان -أيضا- حافزا ودافعا لمزيد من الاهتمام بهذا النوع من الموسيقى الشعبية ذات المضامين الإسلامية".

ويشير أحد المداحين، سيدي ولد مولود، للجزيرة نت أنه كأغلب المداحين ورثوا هذا الفن من أبائهم ورضعوه من أمهاتهم، ويعتقدون حين يمارسونه أنهم في عبادة، لكنها بالنسبة لهم عبادة ممتعة، تتنزل الطمأنينة والراحة على ممارسيها.

وقال أحد الشباب الذين يترددون على حلقات المداح إنه يفضل حضورها في رمضان على غيرها من الحفلات، لخروجها من دائرة الخلاف الفقهي بشأن الموسيقى، ولمضامينها المتركزة على مديح النبي صلى الله عليه وسلم.

المصدر : الجزيرة