أفغانستان بين تاريخين

مهرجان التنديد بذكرى الانقلاب الشيوعي لم يخل من رسائل للأمريكيين والناتو

مهرجان التنديد بذكرى الانقلاب الشيوعي لم يخل من رسائل للأميركيين والناتو (الجزيرة نت)

سامر علاوي-كابل

كأن أجواء مدينة بيشاور الباكستانية في حقبة الثمانينيات من القرن الماضي انتقلت إلى العاصمة الأفغانية كابل اليوم أو هكذا يخيل للمشارك في مهرجان خطابي أقيم في إحدى صالات الأفراح الكبرى للتنديد بذكرى "انقلاب ثور".

وهذا الانقلاب هو انقلاب الاشتراكيين الذي قاده نور محمد تراكي على الرئيس الأسبق سرداد محمد داود في الثامن من شهر ثور عام 1357 (هجري شمسي) وفق التاريخ الفارسي، الموافق 27 أبريل/نيسان عام 1978، والذي مهد للتدخل العسكري السوفياتي المباشر بعد ذلك التاريخ بنحو سنتين ونصف.

ومع أن الشكل العام بدا في مهرجان ذكرى الانقلاب الشيوعي هو التنديد بجرائم السوفيات والاشتراكيين في أفغانستان فإن الرسالة وجهت كذلك للأميركيين وحلف شمال الأطلسي (ناتو) وإن كانت بأسلوب دبلوماسي في كلمات معظم المتحدثين من تنديد بالاحتلال أيا كان ورفض لإقامة قواعد عسكرية أجنبية دائمة في أفغانستان وتذكير القوى الخارجية بطبيعة الشعب الأفغاني وشهامته وشجاعته ورفضه للذل والخضوع.

أحد قادة المجاهدين السابقين يتحدث في ذكرى انقلاب ثور الاشتراكي (الجزيرة نت)
أحد قادة المجاهدين السابقين يتحدث في ذكرى انقلاب ثور الاشتراكي (الجزيرة نت)

عظم الحدثين
قد تكمن المفارقة في أن ذكرى انقلاب الشيوعيين تسبق ذكرى دخول أحزاب المجاهدين للعاصمة الأفغانية بيوم واحد عام 1992م على أنقاض حكومة نجيب الله الاشتراكية.

فبعد ثلاثة وثلاثين عاما من الحدث الأول وتسعة عشر عاما على الحدث الثاني يجمع قادة الإشتراكيين والمجاهدين على عظم الحدثين وتأثيرهما في التاريخ الأفغاني المعاصر، وإن كان كل من الطرفين ما زال يلقي باللائمة على الطرف الآخر فيما آلت إليه الأمور في أفغانستان.

فالمجاهدون يعتبرون الانقلاب الشيوعي بداية الأعمال الوحشية بحق الشعب الأفغاني والتدخلات الخارجية التي انتهت باحتلال سوفياتي كامل في أفغانستان، وهو ما أكد عليه للجزيرة نت أول رئيس وزراء في حكومة المجاهدين المهندس أحمد شاه أحمد زي.

لكن أحمد زي الذي كان نائبا لعبد رب الرسول سياف في قيادة منظمة الاتحاد الإسلامي لمجاهدي أفغانستان لا يتردد في تحميل المسؤولية الكبرى في تقويض انتصارات المجاهدين ضد السوفيات والحكومة الاشتراكية وقتذاك قادة المجاهدين الذين ما زال بعضهم يتصدر الأمور في أفغانستان خاصة برهان الدين رباني وسياف وقلب الدين حكمتيار وأحمد شاه مسعود مسعود.

وأضاف أحمد زي أن كل الإخفاقات التي أعقبت إسقاط حكومة نجيب الله في كابل أو ما وصف بالفتح المبين وصولا إلى التدخل العسكري الأميركي الغربي في أفغانستان حاليا كان نتيجة الخلافات والنزاع على الزعامة بين قادة أحزاب المجاهدين.

وأشار إلى أن جميع الجهود المخلصة من القيادات الإسلامية العربية والحكومة الباكستانية على اختلاف توجهاتها باءت بالفشل، وأن بعض رجال الأعمال العرب عرض مبالغ ضخمة لتمويل إعادة إعمار أفغانستان مقابل شرط واحد هو الاتفاق على وحدة ولو شكلية.

تناي: مشاعر الاستعلاء كانت سببا رئيسيا بفشل الاشتراكيين والمجاهدين (الجزيرة نت)
تناي: مشاعر الاستعلاء كانت سببا رئيسيا بفشل الاشتراكيين والمجاهدين (الجزيرة نت)

انقلاب اضطراري
وزير الدفاع الأفغاني الأسبق شاه نواز تناي أحد قادة الانقلاب الشيوعي اعتبر في حديثه للجزيرة نت أن انقلاب ثور كان اضطراريا لتفادي تحول محمد داود من التحالف مع السوفيات إلى الأميركيين بعد زيارة قام بها لبعض دول الخليج وموافقته على اتخاذ إجراءات ضد النفوذ الاشتراكي في الدولة أملا في موقف محايد للدول الإسلامية والغربية في صراعه مع باكستان.

ولم يخف أن الانقلاب الاشتراكي كان سببا في التدخلات الأجنبية في أفغانستان لكنه تدارك بالقول إن انقلاب الاشتراكيين مهد للتدخل السوفياتي العسكري فيها فإن الإطاحة به مهدت للتدخل العسكري الأميركي الغربي الحالي في أفغانستان.

أما فيما يتعلق بالمذابح التي ارتكبت في أفغانستان في حقبة الشيوعيين وما بعدها فيحمل الجنرال تناي المسؤولية لكافة الأطراف المتورطة في أفغانستان الداخلية والخارجية كمسؤولية عامة أما المسؤولية الخاصة فإن القادة السياسيين الأفغانيين جميعا تورطوا في إراقة دماء الأفغانيين منذ أكثر من ثلاثة عقود.

ويضيف الجنرال تناي أنني أتحمل مسؤولية مثلي مثل جميع القادة السياسيين والعسكريين لأننا كنا نتعامل باستعلاء مع منافسينا من أبناء وطننا ولم يكن أي من الأطراف الأفغانية يقدم مصلحة الوطن على مصالحه الشخصية والحزبية.

ولا يخفي المهندس أحمد شاه أن الاشتراكيين والمجاهدين يجدون أنفسهم اليوم في خندق واحد في مواجهة الإستراتيجية الأميركية وكلاهما يتكئ على الوطنية ووحدة أفغانستان.

لكنه يؤكد أن التنسيق بينهم ضعيف جدا بسبب الوجود العسكري الغربي والأمني الكثيف من ناحية إضافة إلى أن بعبع طالبان ما زال ماثلا أمامهم على الرغم من أنه توقع أن تغير طالبان من توجهاتها وسياساتها مستفيدة من أخطاء الماضي إذا ما وصلت للسلطة ثانية.

المصدر : الجزيرة