الموقف التركي من الأزمة الليبية

r_A demonstrator holds a torn poster of Libya's leader Muammar Gaddafi during a protest against his regime outside the Libyan consulate in Istanbul, February 21, 2011
 مظاهرة مناوئة للقذافي أمام مقر السفارة الليبية في أنقرة (رويترز)

خص المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات (معهد الدوحة) الموقف التركي من الأزمة الليبية بورقة تقدير موقف على خلفية التساؤلات الكثيرة حول موقف أنقرة الرافض للدعوات الدولية لفرض حظر جوي على ليبيا والأسباب التي دفعت إلى تبني موقف سلبي من مسار الأحداث في ذلك البلد.

 
فكما هو معروف اعتبرت تركيا على لسان رئيس وزرائها رجب طيب أردوغان أن الفكرة الداعية إلى فرض حظر جوي على ليبيا "غير مفيدة وتنطوي على مخاطر" وأن التدخل العسكري من قبل حلف شمال الأطلسي (الناتو) في ليبيا أو أي دولة أخرى سيعطي مفاعيل عكسية.
 
ورأت ورقة المركز أن أي قراءة دقيقة للموقف التركي -قياسا على مواقف سابقة لعبت فيها أنقرة دور المحرض على التدخل العسكري- لا بد أن تضع في حساباتها السياق التاريخي لتلك المواقف السابقة أولا مع مراعاة طبيعة النظام الدولي، والمصلحة القومية للدولة المعنية.
 

أردوغان اعتبر فكرة الحظر الجوي غير مفيدة (رويترز)
أردوغان اعتبر فكرة الحظر الجوي غير مفيدة (رويترز)

تركيا والناتو

وفي هذا الإطار تقول الورقة: "شكّل تعريف الناتو وتحديد هويّته بعد انهيار حلف وارسو مدخلاً لنقاشات عديدة، خاصّة بعد أن ساد تفاؤل بتراجع دور الأحلاف والتنظيمات العسكرية. وجرى بعد قمّة روما سنة 1991 تحديد الفهم الإستراتيجي الجديد للناتو وتعيين مهمّته في إطار "المحافظة على التوازن الإستراتيجي في أوروبا".
 
ويلفت المركز في قراءته للموقف التركي إلى أن أزمة البوسنة والهرسك هي التي أفرزت الفكرة القائلة إن الأدوات الداخلية الأوروبية أضعف من التعامل مع معطيات تهدد التوازن الإستراتيجي في أوروبا.
 
وتتحدث الورقة عن التدخل في كوسوفو باعتبار أنه جاء عقب مناقشات مستفيضة بشأن تجديد مهمة الحلف الإستراتيجية في أعقاب مسارعة الحلف والولايات المتحدة لملء الفراغ الذي طرأ على التوازن الإستراتيجي بعد انتهاء الحرب الباردة في وسط أوروبا وغربها.
 
تقاطعات مستجدة
وتذكر الورقة أن علاقات تركيا مع الناتو تطورت في إطار هذه التنظيرات استنادا إلى تقاطعات مستجدة أهمها العلاقات التركية الأميركية والعلاقات التركية مع الاتحاد الأوروبي، لاسيما أن تركيا رأت في علاقاتها مع الولايات المتحدة بديلا عن علاقاتها مع الاتحاد في ظل تعثر مفاوضات انضمام تركيا للاتحاد.
 
في المقابل رأت الولايات المتحدة في تركيا لاعبا فاعلا في منطقة البلقان والشرق الأوسط عندما كانت تتعارض سياساتها مع الدول الأوروبية، مع التنبيه إلى أن تركيا اكتسبت أهمية خاصة في أعقاب أحداث 11 سبتمبر باعتبارها "طرفا رئيسيا مسلما في الحرب على الإرهاب".
 
من هذه القراءة التاريخية ترى الورقة أن تركيا حرصت مع بداية الثورة الليبية على عدم إصدار أي موقف رسمي تجاه أي من طرفي الصراع وانتهجت في ذلك أسلوبا يعتمد -كما تقول ورقة المركز- على مبدأ "عدم إنتاج رد الفعل".
 

سفينة عسكرية تركية تقل أتراكا تم إجلاؤهم من ليبيا (رويترز)
سفينة عسكرية تركية تقل أتراكا تم إجلاؤهم من ليبيا (رويترز)

تركيا والقذافي

وأشارت الورقة إلى أن تركيا -التي لم تنس للقذافي وقوفه إلى جانبها أثناء التدخل العسكري التركي في قبرص عام 1974- شهدت تطورا ملحوظا في علاقاتها مع ليبيا في عهد حزب العدالة والتنمية الحاكم في أنقرة حاليا.
 
وانطلاقا من هذه الخلفية السياسية والتاريخية، رأت تركيا في المسارعة لاستصدار قرار بتدخل عسكري في ليبيا محاولة من الدول الكبرى -وخاصة فرنسا- لاستعادة نفوذها التقليدي في شمال أفريقيا.
 
وتضيف الورقة أن الموقف الفرنسي الرافض بقوة لانضمام تركيا المسلمة إلى الاتحاد الأوروبي لعب دورا في تشكيل الموقف التركي حيال الأزمة في ليبيا.
 
لكن -وفي الوقت ذاته- تشير الورقة إلى أن حكومة أردوغان تدرك جيدا أن موقفها من تطور الأحداث في ليبيا سيؤدي إلى رد سلبي على المستوى الشعبي خاصة أن أردوغان نفسه اتخذ موقفا إيجابيا من ثورة 25 يناير في مصر.
 
وعلى الرغم من الواقعية البراغماتية للسياسة الخارجية التركية القائمة على مبدأ الموازنة بين حسابات الربح والخسارة، خلصت الورقة إلى التأكيد بأن موقف أنقرة من الثورة الليبية ألحق ضررا بالصورة الإيجابية التي كسبتها تركيا لدى الشعوب العربية في عهد أردوغان نفسه.
المصدر : الجزيرة