حرب أكتوبر في الربيع العربي
أحمد السباعي
تمر الذكرى الـ38 لحرب أكتوبر/ تشرين الأول 1973 بطعم الثورة وبلون الربيع العربي الذي أعاد للشعب العربي هيبته ونشاطه، فالدولتان اللتان خاضتا الحرب (مصر وسوريا) أزهر فيهما ربيع الثورة فأطاح بالرئيس المصري "وقائد الضربة الجوية" في تلك الحرب حسني مبارك وهز أركان حكم آل الأسد الممتد منذ أكثر من أربعين عاما، ويهدد بإطاحة الرئيس بشار الأسد نجل الرئيس الذي خاض الحرب على الجبهة السورية (حافظ الأسد).
وللحرب العربية الإسرائيلية الرابعة التي بدأت السبت في السادس من أكتوبر/ تشرين الأول 1973 تسميات مختلفة، فهي حرب أكتوبر في مصر وحرب تشرين التحريرية في سوريا وحرب يوم الغفران في إسرائيل.
بدأت هذه الحرب -التي شنتها كل من مصر وسوريا- بدعم عربي عسكري مباشر وسياسي واقتصادي بهجوم مفاجئ ومباغت على القوات الإسرائيلية المرابطة في سيناء وهضبة الجولان.
وحقق الجيشان المصري والسوري إنجازات ملموسة بالأيام الأولى للحرب، حيث توغلت القوات المصرية 20 كلم شرق قناة السويس، وتمكنت القوات السورية من الدخول في عمق مرتفعات الجولان. لكن الجيش الإسرائيلي تمكن من فتح ثغرة الدفرسوار على الجبهة المصرية والعبور للضفة الغربية للقناة، وعلى الجبهة السورية تمكن من السيطرة على معظم هضبة الجولان.
هذه الحرب التي أنهت –وفق العرب- أسطورة الجيش الذي لا يقهر وأعادت للعرب الثقة والدور بعد نكسة عام 1967، يحتفل فيها في مصر وسوريا ويوم عطلة رسمية في البلدين، ففي مصر كان يقام عرض عسكري للاحتفال بالذكرى في عهد الرئيس الراحل محمد أنور السادات -صاحب قرار الحرب- تحول إلى عرض رمزي في كلية الشرطة بعهد مبارك وتحول إلى احتفال شعبي في ميدان التحرير في مصر الثورة.
أما هذا العام فبالإضافة إلى احتفال ميدان التحرير فإن القوات الجوية المصرية تقوم بعروض جوية فوق المحافظات، كما أقيم حفل ساهر في مسرح الجلاء العسكري بالقاهرة، حيث ركزت معظم الأغاني على دور الجيش في حرب أكتوبر وقبل وأثناء وبعد ثورة يناير بعدما كان التركيز في السابق على الرئيس مبارك ودور القوات الجوية التي كان قائدها.
شخصنة الحرب والثورة
وفي هذا السياق، يقول الخبير في الشؤون الإستراتيجية العميد الركن صفوت الزيات إن احتفالات ذكرى الحرب هذا العام ستكون أكثر عقلانية وستعود إلى وطنيتها وفضل الجيش –الذي بلغ الذروة بهذه الحرب وثورة يناير- والشعب فيها، وليس كما كانت تحصر سابقا بشخصية السادات ومن بعده مبارك وهو أمر ساهمت فيه الآلة الإعلامية لنظام الحكم.
وأضاف الزيات للجزيرة نت أن هذه الشخصنة بعد "نصر أكتوبر" تتكرر الآن مع الجيش الذي يحاول حصر نجاح الثورة به، مشيرا إلى أن بعض "فلول النظام الإعلامي السابق" يحاولون تسليط الضوء على الدور الذي قام به المشير حسين طنطاوي في حرب أكتوبر لكن "طبيعة طنطاوي وقيادته لإحدى المجموعات الفرعية في القوات البرية أجهضت هذه المحاولات".
وشبه الزيات عبور المتظاهرين جسر "قصر النيل" نحو ميدان التحرير أيام ثورة 25 يناير بعبور القوات المصرية بحرب أكتوبر نحو قناة السويس، بل أكد أن عبور الثوار أسمى لأنه كان لأجل الإنسان وكرامته وحريته بينما عبور أكتوبر كان لاسترداد الأرض.
أما إسرائيل فهي لا تتوجس من الثورات العربية عسكريا بل وجوديا لأن بات هناك طرف ثالث في المعادلة وهو الشعب والرأي العام العربي التي لم تكن تكترث له بوجود أنظمة تابعة لها، مستشهدا بردة فعل مصر بعد أحداث سيناء والمطالبات بتعديل اتفاقية السلام ورفع سعر الغاز المصري المصدر لإسرائيل.
أما بالنسبة لأحد قادة هذه الحرب والخبير الإستراتيجي اللواء طلعت مسلم فإن ثورة يناير تشبه إلى حد كبير التاسع من يونيو/ حزيران 1967 حين خرج الملايين للمطالبة بالثأر والحرب والتعبير عن رفض التسليم بهزيمة 1967 والإصرار على المقاومة، وهذا الخروج المليوني شكل حافزا للسادات لخوض الحرب.
وأضاف للجزيرة نت أنه في حرب أكتوبر كانت هناك قيادة سياسية تقود البلد وأدارت الحرب وهذا ما تفتقده الثورة اليوم، مؤكدا ضرورة محاسبة من يخطئ حتى ولو كان "صاحب الضربة الأولى بحرب أكتوبر".
الحرب بسوريا
أما في سوريا التي ما زالت الثورة فيها مستمرة فكانت تشهد في العادة احتفالا رمزيا بمناسبة حرب "تشرين التحريرية" وعروضا عسكرية داخل القطاعات واحتفالات شعبية، ولكن في عصر الثورة خفتت هذه الاحتفالات إلى حد كبير.
يقول العميد الزيات إن الجيش السوري كان يحمل عقيدة قومية عربية لكن تمت "خصخصته" بعد وصول حافظ الأسد إلى الحكم وتحول إلى جيش النظام والعائلة وحتى الطائفة العلوية وخاصة في تعيين الضباط المقربين في المراكز الحساسة |
والثورة السورية التي انطلقت منذ نحو سبعة أشهر للمطالبة بإسقاط نظام آل الأسد والذي كان عميده الرئيس حافظ الأسد قائد المعركة على الجبهة السورية، أثارت تساؤلات عن الدور الذي قام به في الحرب الجيش العربي السوري، الذي سيطر على جبل الشيخ ووصل إلى مشارف بحيرة طبرية.
وعن هذا الموضوع، يقول العميد الزيات إن الجيش السوري كان يحمل عقيدة قومية عربية لكن تمت "خصخصته" بعد وصول حافظ الأسد إلى الحكم وتحول إلى جيش النظام والعائلة وحتى الطائفة العلوية، وخاصة في تعيين الضباط المقربين في المراكز الحساسة.
ولفت إلى الانشقاقات التي تحصل رغم أنها ليست بالكبيرة، ولكن تراكمها وحدوث تطورات جديدة قد تطرأ على المشهد السوري قد يقلب الصورة بالنسبة للجيش خاصة مع وجود آلاف الوطنيين فيه والذين يدينون بالولاء للدولة والشعب وليس للنظام والرئيس.
بدوره أشار اللواء مسلم إلى أن النظام السوري متماسك أكثر من باقي الأنظمة العربية، وما يساهم في تماسكه الفسيفساء الطائفية في المجتمع السوري والتخوف من التدخل الأجنبي على شاكلة التجربة الليبية.
وأضاف أن الجيش في مصر وتونس فضل الوقوف إلى جانب الشعب ضد النظام، لكن الجيش السوري يختلف في طبيعته فضلا عن اختلاف النظام السوري الجذري عن نظامي مصر وتونس وبناء على هذا فضل حماية القيادة السياسية.
إسرائيل تعلمت الدرس
إسرائيليا، قال رئيس هيئة أركان الجيش الجنرال بينى غانتس إن حرب "يوم الغفران" لن تتكرر مرة أخرى في تاريخ إسرائيل لأن تل أبيب تعلمت الدرس، مضيفا أن على إسرائيل أن تتصرف دائما وكأن حربا كبرى ستنشب غدا.
وكرر غانتس قوله إن إسرائيل استخلصت العبر من حرب أكتوبر، كما أن الجيش الإسرائيلي تكيف مع التغيرات الحاصلة في منطقة الشرق الأوسط والثورات التي اندلعت مؤخرا في العديد من البلدان العربية.
وأضاف أن التطورات الأخيرة في العالم العربي وثوراته التي نشبت مؤخراً تعرض إسرائيل لخطر حقيقي ومستمر، وتضع أمامها تحديات جديدة يجب أخذها بالحسبان والتعامل معها بجدية.