ما بعد بن علي تونسيا

فتحي اسماعيل


محمد المختار

يشغل الحدث التونسي الناس على مستوى الداخل، حيث تبدو المعارضة التونسية منهمكة في محادثات تشكيل حكومة انتقالية تدير البلاد على مدى ستين يوما هي عمر الانتقال الدستوري المطلوب، كما يبدو المشهد الأمني هشا تتجاذبه دواعي الفوضى أكثر مما تشده مطالب الهدوء والسكينة.

وحسب المحللين التونسيين، يبدو تشكيل حكومة وحدة وطنية أمرا مستعجلا وبالغ الحساسية في هذه الظرفية، ويرى هؤلاء أن الحكومة المنتظرة لا بد أن تتسم بصفات هي:

– التمثيل العام للشعب التونسي في قواه الحية، خصوصا القوى الاجتماعية والسياسية المعارضة داخليا وخارجيا.

– مشاركة الجميع، سواء تعلق الأمر بالمعارضة الداخلية أو الخارجية، أو تعلق بجميع ألوان الطيف السياسي، إسلاميا كان أو يساريا أو عروبيا أو وطنيا.

– النزاهة والحيادية فيما يتعلق بهذه الحكومة. والتوجه المطروح على ألسنة هؤلاء هو استبعاد من شاركوا في نظام الرئيس التونسي المخلوع، خاصة من كانت لهم أدوار أمنية ودعائية وتسييرية بارزة.

– السرعة، فالبلد يحتاج حكومة تفرض الأمن وتنهي الفوضى ولا تسمح بالانتظار المفتوح.



undefinedمخاوف ومحاذير

المخاوف لدى التونسيين هي من سرقة الحكومة الانتقالية باتجاه أن تكون حكومة دستورية مقنعة (نسبة للحزب الدستوري الحاكم)، كما تسود مخاوف من أن تكون هذه الحكومة مهمشة لبعض الأطراف خاصة تلك التي كان يصفها الدستوريون بالمحظورة.

ويتعلق الأمر ابتداء بضرورة أن تعبر هذه الحكومة عن الحركة الاجتماعية التي قادت الاحتجاجات، كما تعبر عن كافة أطياف المجتمع التونسي الذي بلغ سن الرشد ولم يعد يقبل بفرض وصاية من نخبة معينة أو لون أيديولوجي، كما يقول أحد معارضي الداخل.

وهنا لا بد من تجاوز ثنائية الداخل والخارج في المعارضة، التي يبدو أن بعض مناصري الرئيس التونسي المخلوع زين العابدين بن علي يتكئ عليها ليشرذم المعارضة. فالمعروف أن اليسار والإسلاميين والوطنيين التونسيين الذين عارضوا النظام لهم تمظهراتهم المختلفة داخليا وخارجيا، وهم قادرون على تجسيد وحدتهم في الظرف الدقيق.

لكن قصر الفترة الانتقالية (شهرين فقط) يفرض سرعة إنجاز، فمعركة الانتخابات وتجهيزها على كافة الصعد الحزبية والوطنية والفنية يجعل دور قوى المعارضة مع انهيار النظام مسؤولا مسؤولية مضاعفة، فالخلل في هذه الحالة يحسب على المعارضة لا لها، لأنه لا يوجد نظام تعلق عليه تلك الإخفاقات.


فوضى مزعجة
على أن المراقب التونسي يتوقف باندهاش أمام الفوضى التي سادت عقيب رحيل بن علي ليسجل ملاحظات أهمها:

– الحرق والنهب الذي ظهر لم يسد طوال فترة المواجهة مع النظام التي استمرت مدى شهر، مما يشي بأنها بفعل أياد ليست الأيادي التي قادت التحرك الشعبي.

– العمومية، حيث استهدفت المؤسسات الحكومية والأسواق التجارية لتمتد لاحقا إلى الممتلكات الخاصة.

– استهداف السجون لإحداث مجازر مخيفة تترك أثرا شبيها بما حدث في بغداد بعيد الاحتلال.

– تحرك الوحدات التي تقوم بالأحداث في سيارات غير مرقمة حاملين الأسلحة ومتخفين متلثمين.

undefinedتحيل تلك الاتهامات على ألسنة تونسيين صرحوا بها للجزيرة إلى بقايا نظام بن علي خصوصا على مستوى أجهزة الشرطة والأمن التي تضخمت لتصل إلى 120 ألف فرد، فهؤلاء يقاتلون من منطلق أنهم مستهدفون بعد رحيل بن علي.

وتستهدف العملية -حسب هؤلاء- أن يترحم التونسيون على نظام بن علي لفقدانهم الأمن بعده، كما تحاول الحيلولة دون استهداف بقايا النظام.

إن أنصار بن علي يحاولون، حسب تلك الآراء، إيجاد فراغ عام في الدولة تستغله قوى الشر وتشيع من خلاله الفوضى وتوجد من خلاله مدخلا تعيد منه إنتاج نفسها.

وهذا يستوجب على المعارضة التونسية خصوصا -حسب تصريحات بعض رموزها في الخارج- طمأنة الحلقات الوسطى من نظام بن علي باعتبارها غير مستهدفة، ويتلخص ذلك في الشعار المعروف "عفا الله عما سلف".

كما يستوجب توصل المعارضة إلى ميثاق وطني يعتمد منهجا ديمقراطيا يكرس العدل والحرية والتعددية ويبتعد عن الإقصاء والتشكيك ويعلي من شأن الاتفاق والإجماع الوطني.

لا شك أن المعارضة التونسية منشغلة ومشغولة، لكن المبادرة السريعة والمبادأة القوية من شأنها التغلب على تلك المخاوف وتحويل ذلك التحدي إلى رافعة تنقذ وتدفع باتجاه تحقيق ما يصبو إليه التونسيون على مختلف الأصعدة.

المصدر : الجزيرة