رافدا العراق يشتكيان نقص المياه

كانت هذه الضفاف تهدد اهل المدينة بالفيضانات

كانت هذه الضفاف تهدد أهل المدينة بالفيضانات (الجزيرة نت)


فاضل مشعل-بغداد
 
أقلعت نساء بغداد عن عادات إلقاء الشموع في نهر دجلة طلبا لأمنية بولد أو زوج، إذ تقلصت مياه النهر الذي يتدفق منذ عشرات آلاف السنين قاطعا أكثر من 1600 كلم في رحلته من تركيا شمالا، قبل التقائه بغريمه نهر الفرات في القرنة بمحافظة البصرة جنوب بغداد، ليشكلا معا شط العرب.
 
وعوائل صيادي السمك في النهر -الذين ذاع صيتهم في بغداد- تركوا شباكهم وقواربهم للصدأ، وتحولوا إلى سائقي أجرة نهرية ينقلون الهاربين من زحام الشوارع بين ضفتي النهر ما بين الكرخ والرصافة.
 
ويقول الخبير في وزارة الموارد المائية عقيل سليمان للجزيرة نت إن "نهر دجلة جزء من حالة عامة يعاني منها العراق، بدأت منذ مطلع سبعينيات القرن الماضي عندما شرعت تركيا (منبع نهري دجلة والفرات) وسوريا (التي يمر بها الفرات) في إقامة سدود عملاقة".
 
وبعيدا عن بغداد -التي يخترقها دجلة فيقسمها نصفين- فإن نهر الفرات تحول إلى مجموعة جزر، بعد أن فقد نسبا كبيرة من المياه التي كانت تأتيه من المنبع التركي عبر سوريا.
 
ويقطع نهر الفرات صحراء بادية الشام القاحلة بين العراق وسوريا، قبل اجتيازه محافظات الأنبار والحلة وكربلاء والنجف، ثم الديوانية والسماوة، وأخيرا الناصرية، قبل أن يلتقي دجلة عند القرنة.
 

مراكب الصيادين أصابها الصدأ (الجزيرة نت)
مراكب الصيادين أصابها الصدأ (الجزيرة نت)

سدود الجيران

ويؤكد المدير العام في وزارة الموارد المائية سلوان عامر أن "مشكلة نقص المياه بدأت من الجانب التركي الذي شرع في إقامة السدود الكبيرة عند منابع أنهارنا، وأعقبته سوريا التي أقامت سد الحسكة العملاق فتقلصت نسب المياه في الفرات مثلما في دجلة".
 
وأضاف عامر أن "الإيرانيين زادوا المشكلة تعقيدا عندما أقاموا بدورهم سدودا على الحدود، تسببت في تصريف المياه الفائضة عن حاجتهم إلى أراضينا، وهي مياه مالحة، ومنعت جريان المياه في الأنهار التي كانت تغذي القرى والبلدات الحدودية العراقية".
 
وأوضح أن العراق يخوض منذ ثلاثة عقود مفاوضات ومناقشات مع جيرانه حول المياه، محذرا من أن "المستقبل لا ينبئ بخير إذا استمر الجيران يصمون آذانهم".
 
وهجرت آلاف العوائل مساكنها في أهواز جنوب العراق التي خلت من المياه بسبب هذا الشح الذي تسبب في موت آلاف الأحياء المائية من طيور وأسماك، إضافة إلى تحول المساحات العظمى من الأهواز إلى أراض صحراوية قاحلة.
 
ويرى أستاذ مادة الجغرافيا السياسية في جامعة بغداد عبد العظيم عبد النبي، أن "هذا التدخل الكبير في جريان النهرين" سيغير الكثير من الثوابت، وعلى رأسها الطبيعة السكانية لسكان المنطقة الذين جعلوا المياه مصدر عيشهم وتكيفوا معها.
 

الطمي ومخلفات الأشجار صارت تهدد النسب المائية القليلة المتبقية في دجلة (الجزيرة نت)
الطمي ومخلفات الأشجار صارت تهدد النسب المائية القليلة المتبقية في دجلة (الجزيرة نت)

تغيرات

واعتبر أن المشكلة الأكبر هي وجود تحديات سياسية كبيرة "ربما تصل إلى استخدام السلاح في حال استمر هذا التجاهل لحقوق العراق في العقود المقبلة".
 
ويعتقد الخبير المائي في وزارة التخطيط سالم عبد الأمير أن "سلة الغذاء العراقي تغيرت كثيرا خلال العقود الأربعة الماضية بعد التعديل السلبي على حصتنا من المياه".
 
وأوضح أن أنواعا من الأسماك اختفت، كما حولت الطيور المهاجرة من أوروبا إلى العراق شتاء وجهتها إثر ضمور الأهواز، بعد أن كانت تلك الطيور تشكل مصدرا غذائيا مهما لأهل العراق الذين تفننوا في إعداد أطباق الغذاء التي تعتمد عليها.
 
كما يرى الخبير في البيئة في المركز العراقي للتخطيط الحضري نوفل علي أن هناك إبادة لنخيل العراق الذي أصبح لا يحصل على كميات كافية من المياه.
 
ونبه إلى أنه إضافة إلى الحروب -التي شهدها العراق خلال العقود الماضية- فإن نقص المياه صار سببا مهما في موت آلاف من بساتين الفاكهة، خاصة تلك التي كانت تسقى من مياه الجبال الإيرانية قبل أن يغلق هذا المنفذ على العراق أيضا.
المصدر : الجزيرة