اليونان: رسائل ملغومة متعددة العناوين

Police investigators look at a piece at the scene of a controlled explosion of a suspicious package by the courier


شادي الأيوبي-أثينا
بينما عثرت الشرطة اليونانية أمس الخميس على المزيد من الطرود المفخخة التي كانت موجهة إلى سفارات أجنبية في أثينا، توافقت آراء المتابعين على أن هذه العمليات تبعث برسائل احتجاج وغضب إلى جهات عديدة داخل اليونان وخارجها.
 
وقد أصدرت نيابة أثينا أحكاما بالسجن على شابين يونانيين لتورطهما في نقل الطرود المشبوهة وأعمال عنف أخرى، إضافة إلى انتمائهما إلى منظمة "خلايا النار" اليسارية التي أعلنت مسؤوليتها عن عدة حوادث عنف في اليونان.
 
ولفت كثير من المحللين إلى أن الوضع الاقتصادي والاجتماعي الذي دفع الشباب والطلاب إلى ما يشبه الثورة أواخر العام 2008، قد لا يكون بعيدا عن الجو الذي دفع أفرادا أقل إلى التعبير اليوم عن غضبهم واستيائهم من الأوضاع ولكن بطريقة مختلفة.
 
وأوقفت السلطات اليونانية شحن البريد والطرود الى الخارج لمدة 48 ساعة استأنفته بعد منتصف ليل الخميس، بعدما اكتشفت الشرطة عددا من الطرود المفخخة المرسلة إلى عدد من السفارات الأجنبية في أثينا.

وأنحت السلطات باللائمة في الطرود المفخخة التي اكتشفت على مدى الأيام الماضية على متشددين يساريين، ووصل أحدها إلى مكتب المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل في برلين.

 
 
تداعيات أوروبية
واعتبر الصحفي ناسوس غوليميس في اتصال مع الجزيرة نت أن الطرود المفخخة -وإن كانت قليلة الخطر- قد تستتبع نتائج اجتماعية خطيرة، دون أن يستبعد تكرار هذه الظاهرة بشكل كبير خلال الفترة القادمة في جميع أنحاء القارة الأوروبية باعتبارها قارة الثورات منذ زمن طويل مثل الثورة الفرنسية والثورة الحمراء، كما أن النازية في بداياتها كانت لها ملامح ثورية بالنسبة لبلاد وسط أوروبا.
 
ولم يكن انهيار الاتحاد السوفياتي ليحل المشكلة -حسب غوليميس- حيث إن عشرات آلاف المواطنين الأوروبيين وجدوا أنفسهم دون عمل ودون مثل سياسية عليا، الأمر الذي أدى برأيه إلى جنوح هؤلاء إلى أعمال العنف للتعبير عن غضبهم واحتجاجهم، معتبرا أن فوضى العنف بين الشباب والمراهقين  ليست شيئا جديدا في القارة العجوز.
 
ولم يستبعد غوليميس ارتباط الطرود الملغومة بالانتخابات المحلية في اليونان والمقرر إجراؤها الأسبوع القادم، متوقعا أن تكون بعض العناصر الساخطة في المجتمع اليوناني أرادت أن توصل رسالة سخطها إلى العالم، خاصة مع ورود عشرات الأخبار والتقارير يوميا عن إفلاس البلد وانهيار اقتصاده، رافضا نظرية ربط مجموعات العنف في اليونان بمنظمات دولية.
 

 من الاحتجاجات التي شهدتها أثينانهاية عام 2008 (الجزيرة نت-أرشيف)
 من الاحتجاجات التي شهدتها أثينانهاية عام 2008 (الجزيرة نت-أرشيف)

الداخل والخارج
من جانبه رأى أستاذ العلوم السياسية في جامعة أثينا عارف عبيد أن القبض على الشخصين اللذين قاما بنقل الطرود المتفجرة والتثبت من انتمائهما لجماعة يسارية محلية، أنقذا الوضع من سيناريوهات خطيرة في ظل الظروف الدولية القائمة، وعلى رأسها ربط العملية مباشرة بتهديدات تنظيم القاعدة بضرب مصالح أوروبية.
 
واعتبر عبيد في اتصال مع الجزيرة نت أن المنفذين أرادوا لفت أنظار المجتمع الدولي إلى مشكلات اليونان الداخلية، والتعبير عن رفضهم المطلق لتدخل صندوق النقد الدولي والاتحاد الأوروبي في الشؤون الداخلية، باعتبار أن هذه التدخلات أفقدت البلاد جزءا مهما من سيادتها الوطنية بعد دخولها في نظام الوصاية.
 
وربط عبيد توقيت التفجيرات مع دخول اليونان أكثر في الأزمة الاقتصادية، حيث بدأت فئات عديدة تتأثر سلبا بتلك الأزمة وتشكك في قدرات حكومة الاشتراكيين بقيادة جورج باباندريو الذي طلب من الشعب تجديد الثقة به أو المضي إلى انتخابات برلمانية مبكرة، في مسعى لعدم ربط اسمه وحزبه بإفلاس البلاد.
 
الظروف الراهنة
وأعرب العبيد عن تشاؤمه حيال الوضع في اليونان خلال الفترة القادمة لاسيما مع وصول العجز المالي إلى نحو 15%، والإعلان عن برنامج وصاية جديد سيتم تطبيقه على اليونان عما قريب، وانتشار مقولات تتحدث عما يسمى الإفلاس المسيطر عليه.
 
بيد أن الكاتب والصحفي بيتروس بابادوستاندينوس لفت إلى قلة خبرة المتورطين في قضية الرسائل الملغومة مقارنة بما عرفته اليونان من منظمات ثورية انتهجت طريق العنف خلال سنوات الثمانينيات والتسعينيات من القران الماضي.
 
وعزا بابادوستاندينوس الأسباب الحقيقية لهذه التطورات إلى خيبة الأمل التي يشعر بها الكثير من الشبان جراء الأوضاع العامة في البلاد، الأمر الذي يدفع قسما منهم لاستخدام العنف تعبيرا عن احتجاجاتهم.

 
وعمت اليونان إضرابات منذ إعلان الحكومة الاشتراكية الجديدة عن إجراء تخفيضات واسعة في الإنفاق الحكومي بغية خفض المديونية الحكومية والعجز في الميزانية.
 
وتعاني الميزانية اليونانية من عجز يبلغ 12.7%، أي أربعة أضعاف ما تسمح به قوانين منطقة التعامل بالعملة الأوروبية اليورو. وتعهدت الحكومة بخفض العجز إلى 8.7% هذا العام، بالإضافة إلى خفض الدين العام الذي تخطى عتبة الـ300 مليار يورو من خلال تجميد رواتب موظفي القطاع العام، ورفع الضريبة على المحروقات والكحول والتبغ ورفع سن التقاعد إلى 63 عاما بحلول العام 2015.

المصدر : الجزيرة