مصوع.. قصة هجرتين

مسجد الصحابة أصبح جزءا من الميناء
مسجد الصحابة أصبح جزءا من ميناء مصوع أهم مرافئ البلاد (الجزيرة نت)
حجي جابر-مصوع
 
"هنا نزل الصحابة في هجرتهم الأولى إلى ملك الحبشة.. وهنا صلوا.. مصوع إذن تحتضن أول مسجد في الإسلام.. وهي بوابته الأولى نحو العالم الخارجي".
 
بهذه الكلمات ابتدر الحاج صالح أفندي أحد أعيان مدينة مصوع الإريترية حديثه للجزيرة نت شارحا قصة الهجرة الأولى، وما إن فرغ منها حتى شرع في سرد قصة هجرة ثانية.. كانت هذه المرة من المدينة لا إليها.
 
مصوع أو باصع أول عاصمة لإريتريا وثانية أكبر مدنها الحالية وهي ميناؤها الرئيسي.
 
تحتل مكانة مميزة لدى الإريتريين لكونها أول بقعة وطئتها أقدام صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم خارج مكة المكرمة، أثناء هجرتهم إلى ملك الحبشة في السنة الخامسة من البعثة النبوية.
 
تذكر الرواية التاريخية خروج الصحابة من ميناء الشعيبة جنوب جدة باتجاه أرض الحبشة، وكانت منطقة "رأس مدر" أي رأس الأرض نقطةَ وصولهم حيث استقبلوا بيت المقدس -قبلة المسلمين الأولى- وصلّوا قبل أن يواصلوا رحلتهم برا.
 

undefined"رأس مدر"
وقد جاء بعد ذلك -تخليدا لمكان صلاة المهاجرين الأول- من أقام مسجدا في "رأس مدر"، ما زال محرابه ومنبره شاهديْن على مرحلة تاريخية هامة.

ورغم دخول مسجد الصحابة -وهو الاسم الذي بات يعرف به مسجد رأس مدر- في مرحلة تالية ضمن حدود ميناء مصوع، فإنه أصبح مزارا دينيا يؤمه الإريتريون وزوار البلاد، ومكانا لأداء صلاة العيدين.
 
وفضلا عن ذلك تحتضن مصوع مساجد تاريخية كمسجد الحنفي والشافعي وحمال الأنصاري، لا تزال قائمة منذ مئات السنين وتشتهر بروعة بنائها وتفرده.
 
هذه الصبغة الدينية لم تكن كل ما يميز مدينة مصوع، فوقوعها تحت الاستعمار البرتغالي والتركي والمصري والإيطالي والبريطاني، جعلها مدينة حافلة بالغنى والتنوع.
 
يظهر ذلك بدءا من سكانها، الذين ينحدرون من مناطق مختلفة عربية وأجنبية، ولا ينتهي عند طبيعة البناء التي تجمع بين الرواشين المصرية وزخرفة القباب التركية وعظمة القصور الإيطالية.
 
هجرة أخرى
منتصف ثمانينيات القرن الماضي كان موعدا آخر لهجرة أخرى لكن في الاتجاه المعاكس.. إذ أمطر الطيران الإثيوبي مدينة مصوع بحمم من النيران أثناء حرب الاستقلال، وهو ما أدى إلى نزوح وهجرة معظم سكان مصوع عن مدينتهم إلى دول كالسودان والمملكة العربية السعودية واليمن.
 
شواهد الحرب قائمة بعدُ، ويراها الزائر في بعض المباني المهدمة، رغم حركة التجديد والبناء التي طالت مساحات واسعة من المدينة.
 
يحتفل الإريتريون وأهالي مصوع تحديدا في فبراير/شباط من كل عام بذكرى معركة "فنقل" الحاسمة، التي أعادت هذه المدينة إلى الإريتريين عام 1990، ومهدت لإعلان استقلال كامل الأرض الإريترية. 
المصدر : الجزيرة