مغربيات يزاحمن الرجال في "التبوريدة"

"التبوريدة".. فروسية مغربية تحكي تاريخ الجهاد وتلهم الفنانين

"التبوريدة" ضرب من الفروسية مغربية تمتد جذوره في أعماق التاريخ (الجزيرة نت-أرشيف)

الحسن سرات-الرباط

لم تعد ألعاب "التبوريدة" أو الفروسية الاستعراضية التي تنظم بالمواسم الصيفية والمناسبات الوطنية بالمغرب حكرا على الرجال، بل تسللت مجموعة من الفارسات الشابات إلى عالم الخيل والفروسية على خجل ووجل لينافسن الفرسان ذوي الخبرة الطويلة.

الشابة الزاهية أبو الليث واحدة من أبرز الفارسات الجديدات، تعلمت ركوب الخيل والمشاركة في المسابقات الجهوية والوطنية بفضل رعاية أبيها الذي ورث هذا الفن أبا عن جد على حد قوله.

ولم تجد الزاهية -التي تتابع دراساتها الجامعية في تسيير المقاولات بإسبانيا- معارضة قوية في البداية من الذكور، ولكن أمها كانت في طليعة المعارضين.

لكن الأم ما لبثت أن استسلمت لإرادة الزوج والبنت التي تسلقت درجات الفوز واعتلت منصات التتويج بالميداليات الذهبية والفضية والنحاسية في المسابقة الوطنية لأسبوع الفرس التي تنظم كل عام بالعاصمة الرباط.

وتحكي الزاهية للجزيرة نت أن البداية في سنة 2004 لم تكن سهلة لأن عناصر فريقها النسائي لم يكن يتجاوز أصابع اليد الواحدة، وكانت تجد صعوبة بالغة في التنسيق بينهن أثناء إطلاق العنان للخيول وإطلاق البارود في وقت واحد.

الفارسة الشابة الزاهية أبو الليث باللباس التقليدي المغربي رفقة فرسها رعد (الجزيرة نت)
الفارسة الشابة الزاهية أبو الليث باللباس التقليدي المغربي رفقة فرسها رعد (الجزيرة نت)

فرقة نسائية
وفي صيف هذه السنة أبهرت "فرقة الجمعية النسائية لخيالة أولاد عمران" الجمهور الغفير من المتفرجين في موسم الولي الصالح مولاي عبد الله أمغار بسيدي بنور ضواحي الجديدة (100 كلم جنوب الدار البيضاء).

وتتكون السربة (الفرقة) في الغالب من تسع فتيات، وبعد أن صارت الزاهية "مقدمة"  (قائدة) السربة، التحقت بهن سهام، أختها الصغرى.

وحظيت الفرقة بتصفيق الرجال وترديدهم الصلوات على النبي على الطريقة المغربية، كما لم تتوقف زغاريد النساء العالية افتخارا بهن وتشجيعا لهن.

علاقة الزاهية بفرسها لا تقل قوة ومتانة عن علاقتها بوالدها المعلم الأول والدائم، فعندما مات فرسها الأكبر "يحياوي"، نسبة للقبيلة التي جاء منها، لم يخفف من حزنها على فراقه سوى "رعد" فرسها الأصغر.

وتقول الزاهية إن "علاقة الفرس بصاحبه أصدق من علاقة الإنسان بالإنسان في كثير من الحالات"، مضيفة أنه "ومن طول العشرة والمعاملة تغني الإشارة عن العبارة، بل يفهمك الفرس قبل أن تصدر أمرك إليه".

لوحة فنية مستوحاة من قصة فارسة مغربية  تحولت لأسطورة (الجزيرة نت)
لوحة فنية مستوحاة من قصة فارسة مغربية  تحولت لأسطورة (الجزيرة نت)

نظرة رجالية
وتروي الزاهية أن نظرة الرجال في البداية كانت تستصغر مشاركة فتاة في ألعاب الفروسية، وكان معظم المنتقدين من البدو يعتبرون ذلك قلة تربية، لكن إصرار والدها حال دون إقصائها من المشاركة.

وعندما شاركت لأول مرة وهي في ربيعها السادس عشر، اضطرت لارتداء ملابس الفرسان حتى لا تثير الانتباه والامتعاض. ومع مرور الوقت كشفت عن هويتها وبدأت النظرة تتغير.

من جانبه يعتبر الحسين الإدريسي رئيس جمعية "الخير" بجهة الرباط أن فن التبوريدة لم يكن في البداية حكرا على الرجال، لأن مقاومة المستعمر كانت أمرا مشتركا بين الرجال والنساء.

وأضاف الإدريسي في حديث للجزيرة نت أن التاريخ المغربي مثل التاريخ الإسلامي عموما، يعج بأسماء فارسات لا تقل شجاعتهن عن الرجال، بل تتفوق على كثير منهم في بعض الأحيان.

وبالمغرب يشتهر اسم عائشة البحرية التي يروى أنها خلقت متاعب للمستعمر الفرنسي بفروسيتها ومقاومتها رفقة عدد من النساء، وظلت مجهولة إلى حين وفاتها، ولا يزال ضريحها على مقربة من موسم عبد الله أمغار.

المصدر : الجزيرة