تشاد خمسون عاما من الاضطرابات السياسية

 

                                                            محمد عبد العاطي

 

الشرارة التي أشعلت برميل البارود في تشاد انطلقت عندما أقدم الرئيس إدريس ديبي العام قبل الماضي على إلغاء مادة في الدستور كانت تمنعه من الترشح لولاية ثالثة، ومنذ ذلك الوقت والاضطرابات السياسية وتجلياتها المسلحة بين المعارضة والحكومة لا تتوقف والتي بلغت ذروتها مطلع فبراير/ شباط الجاري.

 

من الاستقلال للحرب الأهلية

في العام 1960 حصلت تشاد على استقلالها عن فرنسا، وأصبح فرانسوا تومبالباي أول رئيس للبلاد. وبعد عامين أصدر قرارا بمنع أحزاب المعارضة من العمل السياسي وأسس عوض ذلك حزبا واحدا حكم به البلاد الأمر الذي أدى إلى احتقان سياسي وصل عام 1965 إلى حد الحرب الأهلية، وكان المسلمون هناك عنصرا رئيسيا فيها لما رأوه تمييزا وغبنا لحق بهم.

 

وأسفرت هذه الاضطرابات عن انهيار نظام حكم تومبالباي ثم قتله عام 1975 إثر انقلاب قاده فيلكس ملوم، لكن العنف استمر حتى 1979 حيث دخل المتمردون العاصمة نجامينا وسيطروا عليها.

 

الثمانينيات عقد من الدماء

تولى وزير الدفاع السابق الجنرال حسين حبري المدعوم فرنسيا الحكم عام 1982 بعد انقلاب عسكري، واندلعت حرب بينه وبين ليبيا انتهت عام 1987 بانسحاب الأخيرة بعد خسائر منيت بها هناك.

 

ولم يطرأ تحسن على حياة التشاديين فقد حكم حبري البلاد أيضا بحزب واحد ومنح أبناء قبيلته دازا المناصب، وشاع في إدارات الدولة الفساد واستمر العنف. وتذكر تقارير منظمات حقوق الإنسان أن قرابة أربعين ألف مواطن على الأقل قتلوا طوال فترة حكم حبري على خلفيات سياسية صعدتها وزكت نيرانها نعرات قبلية.

 

ديبي استقرار قصير الأجل

لم ترض الكثير من القبائل التشادية عن تهميشها، فدعّمت قبيلة الزغاوة الجنرال إدريس ديبي الذي ينتمي إليها في انقلابه على حبري عام 1990.

 

أعاد ديبي التعددية السياسية وتصالحت الفصائل المسلحة فيما بينها، وأصدر دستورا جديدا حظي بموافقة المواطنين في استفتاء عام.

 

ونتيجة لهذه الإصلاحات فاز بسهولة عام 1996 في انتخابات رئاسية تنافسية، وفاز أيضا بولاية رئاسية ثانية بعد خمس سنوات.

 

وفي عام 2003 اكتشف النفط، وتوقع التشاديون أن يكون اكتشافه بداية عهد من الرفاهية ومزيد من الاستقرار لكن الأمور سارت عكس ما أملوه.

 

العنف مجددا

الاضطراب السياسي انعكس على المواطن (الفرنسية-أرشيف)
الاضطراب السياسي انعكس على المواطن (الفرنسية-أرشيف)

فقد عاد العنف مجددا وكان السبب الرئيسي هذه المرة هو ما قام به ديبي من إدخال

تعديلات على الدستور في يونيو/حزيران 2005 تسمح له بالترشح لولاية ثالثة، ملغيا نصا كان يقصر ترشيح الرئيس على مدتين.

 

وقد قوبل هذا التعديل بمعارضة شديدة من الأحزاب ومؤسسات المجتمع المدني، وقرروا مقاطعة الانتخابات واعتبروها غير شرعية. ورغم ذلك فاز ديبي في مايو/ أيار 2006 بولاية ثالثة.

 

ودخلت على الخط صراعات أخرى كما هو جار الآن على الحدود الجنوبية الشرقية مع السودان، وكما هو واقع أيضا عند حدودها الجنوبية مع جمهورية أفريقيا الوسطى.

 

 ذروة الأزمة

أطراف الصراع الرئيسية حاليا هي نظام حكم الرئيس إدريس ديبي المنتمي لقبيلة الزغاوة من جهة، وتكتل معارض جمَّعوا أنفسهم عام 2006 تحت اسم "الجبهة المتحدة من أجل الديمقراطية والتغيير" وحاولوا السيطرة على العاصمة نجامينا في أبريل/ نيسان 2006، لكنهم فشلوا وقُتلت منهم أعداد كبيرة.

 

وفي ظل التوتر المستمر بين نظامي حكم الجارين تشاد والسودان، يعتقد كثير من المراقبين أن الخرطوم تقدم دعما لهؤلاء المتمردين لكن الحكومة السودانية تنفي.

 

في الأسابيع الأخيرة وبعد وقف هش لإطلاق النار تم التوصل إليه بوساطة ليبية، عاد القتال مجددا بين الجبهة المتحدة من أجل الديمقراطية والتغيير وبين حكومة الرئيس ديبي.

 

ولا يزال كل طرف يصر على مطالبه، فالجبهة تعتبر انتخابات الرئاسة غير شرعية وتعترض على إلغاء النص الدستوري السابق الذكر، في حين يصر الرئيس على أن خطوته تمت بموافقة شعبية وأن الدستور قابل للتغيير إذا أراد الشعب.

 

ومع مطلع فبراير/ شباط 2008 تطورت الأحداث سريعا، فزحفت قوات المعارضة (المجلس الرئاسي للقيادة الموحدة) إلى مشارف العاصمة ثم دخلت شوارعها الرئيسية وبدأت في محاصرة قصر الرئاسة الذي يقيم فيه الرئيس، وبدأت الدول الغربية في إجلاء رعاياها من هناك، ومن المحتمل أن يحسم الأمر الساعات القادمة.

المصدر : الجزيرة