عودة الدفء إلى علاقات لم تبرد بين باكستان والصين

Visiting Pakistan President Asif Ali Zardari (L) and Chinese President Hu Jintao (R) both gesture while walking along the red carpet during a review of the honour guard welcoming ceremony at the Great Hall of the People in Beijing on October 15, 2008
هو جينتاو يستقبل زرداري في قاعدة الشعب بالعاصمة بكين (الفرنسية)
 
عزت شحرور-بكين
 
من بكين اختار الرئيس الباكستاني آصف علي زرداري أن يستعرض أول حرس شرف في أول زيارة رسمية له منذ توليه مهامه في سبتمبر/أيلول الماضي بعدما ظن كثيرون أن حبل الود كاد ينقطع بين بكين وإسلام آباد، ليأتي الواقع ويؤكد أن ذلك لم يكن سوى استجابة لضرورات تكتيكية فرضتها أحداث 11 سبتمبر/أيلول 2001 والحرب على ما يسمى الإرهاب.
 
العلاقة الصينية الباكستانية تبدو كما وصفها للجزيرة نت الخبير في المركز الصيني للدراسات الدولية ليو شوي تشانغ "بأنها قدر، وبأنها لا تخضع لأي مؤثرات محلية أو إقليمية أو دولية"، مضيفاَ "بغض النظر عمن يحكم باكستان من الأحزاب السياسية".
 
وبغض النظر عن انتماءات الرئيس سواء كان مدنياً أم عسكرياً، فإن العلاقات الباكستانية الصينية تبقى دائماً علاقات حسن جوار وشراكة إستراتيجية.
 
تلك رؤية يشترك فيها الجانبان -على ما يبدو- وتفرضها حقائق الجغرافيا ويشهد عليه التاريخ وتعززها كذلك المصالح المشتركة.
 
وقد يكون من المهم التذكير هنا أن أول مرة قالت فيها الصين "لا" في مجلس الأمن -وتلك حالات نادرة- مستخدمة حق النقض (الفيتو)، كان من أجل عيون باكستان ضد انفصال بنغلاديش.
 
كما أن خطوط الطيران الباكستانية كانت هي الرئة الأولى أو الوحيدة التي تواصلت بكين من خلالها مع العالم إبان عزلتها الدولية في فترة ستينيات وسبعينيات القرن الماضي.
 
زيارة زرداري إلى الصين تأتي لإعادة الدفء إلى العلاقات بين الحليفين التقليديين قبل أن يبدأ شتاء جديد يتوقع كثيرون أن يكون ساخناً على باكستان.
 
فالاقتصاد الباكستاني يمر بمرحلة عصيبة جداً من التدهور، وجاءت الأزمة المالية الدولية لتهدده بالانهيار ولن ينفع معه سوى جرعات مهدئة من القروض الكبيرة والميسرة التي عادة ما يقدمها الحليف الصيني بكل سخاء، بالإضافة إلى توسيع فرص الاستثمار الصيني في باكستان عبر دزينة اتفاقيات تم التوقيع عليها خلال القمة بين الرئيسين وشملت مجالات متنوعة.
 

جلسة المباحثات بين الصين وباكستان (الفرنسية)
جلسة المباحثات بين الصين وباكستان (الفرنسية)

مختلف القضايا

الوضع المتوتر في أفغانستان وتداعياته المباشرة على باكستان والصدع الذي أصاب العلاقات الباكستانية الأميركية مؤخراً، كلها عوامل فرضت على الرئيس زرداري أن يبدأ أولى زياراته الرسمية من بكين.
 
بالإضافة طبعاً إلى اتفاقية التعاون النووي المثيرة للجدل والتي وقعتها وزيرة الخارجية الأميركية كوندوليزا رايس الأسبوع الماضي مع الهند الجارة اللدود والمنافس الإقليمي الإستراتيجي لبكين وإسلام آباد على حد سواء، ما أثار حفيظتهما معاً.
 
لكن تعاوناً نووياً آخر كان قد بدأ مبكراً بين الصين وباكستان، وجاءت هذه الزيارة لتعززه رغم أن المتحدث باسم وزارة الخارجية الصينية تشين غانغ أكد أن التعاون النووي الصيني الباكستاني لا يستهدف أي طرف ثالث، وأنه -كما قال- "يقوم على أساس المساواة والمنفعة المتبادلة ويتوافق تماما مع الالتزامات الدولية لكلا البلدين، وهو بالكامل للأغراض السلمية ويخضع لضمان مراقبة الوكالة الدولية للطاقة الذرية".
 
التعاون العسكري أيضاً هو أحد أهم أوجه التعاون بينهما، فقد تجاوز مراحل بيع الأسلحة والصواريخ وإجراء المناورات المشتركة ووصل مرحلة متقدمة بإنتاج مشترك لطائرة عسكرية يجمع المراقبون أنها تقارب في قدراتها القتالية طائرة أف-16 الأميركية.
 
وهذا ما دفع البعض إلى اعتبار أن هذا النوع من التعاون من شأنه أن يخل بالتوازن الإستراتيجي وبالأمن الإقليمي، لكن ليو شوي تشانغ قال للجزيرة نت إن "التعاون العسكري بين الصين وباكستان شفاف ويقتصر على الأسلحة الدفاعية والتقليدية، ومن يدعون عكس ذلك يحاولون إخفاء حقيقة أن صفقات الأسلحة المتطورة والضخمة إلى الهند وتايوان هي التي تهدد الأمن والاستقرار في المنطقة".
 
وما من شك في أن الصين بحضورها الإقليمي والدولي وبتجربتها الاقتصادية الناجحة وبرصيدها الدبلوماسي المعروف بعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول، تشكل خيارا صحيحا للاعتماد عليه بالنسبة لباكستان.
 
وكذلك الأمر بالنسبة لبكين، فباكستان تقع على خاصرة الصين الغربية الرخوة بمحاذاة إقليم شينغيانغ ذي الأغلبية الأيغورية المسلمة، حيث تنشط بعض المنظمات الانفصالية في الإقليم الذي يشكل سدس مساحة الصين ويزخر بالخيرات النفطية.
 
وعادة ما تتخذ تلك المنظمات من الأراضي الباكستانية والأفغانية مسرحاً لتدريباتها. وكانت أجهزة الأمن الصينية أحبطت مؤخراً عملية اختطاف طائرة قالت إنه تم الإعداد لها في باكستان.
 
وباكستان أيضاً هي صمام الأمان الذي يستطيع أن يحفظ التوازن الإستراتيجي في المنطقة بين الصين ومنافستها التقليدية الهند.
 
والأهم من هذا كله أن باكستان هي رئة الصين على نفط الشرق الأوسط وأسواقه، وهذا ما فتح الباب أمام ما بات يعرف باسم "حرب إنشاء الموانئ من القوى الكبرى في باكستان". وكذلك البدء بدراسة مشاريع كبيرة وطموحة لمد أنابيب تروي عطش التنين الصيني من نفط الشرق الأوسط عبر الأراضي الباكستانية. 
المصدر : الجزيرة