بكين ودلهي.. تجاوز التاريخ وتخطي الجغرافيا

REUTERS/Indian Prime Minister Manmohan Singh (C) walks towards a car after arriving at Beijing International Airport January 13, 2008

سينغ يحمل آمالا وطموحات عريضة في أول زيارة له إلى الصين (رويترز)

عزت شحرور-بكين

طريق طويل قطعه الجاران الآسيويان منذ أن قررت دلهي وبكين تجاوز عقود من التوتر والجفاء بينهما وفتح صفحة جديدة عنوانها التقارب والتعاون، فلم تعد جبال الهيمالايا التي تفصل بين العملاقين الآسيويين عائقا يحول أمام التقارب بينهما.

رئيس الوزراء الهندي مانموهان سينغ يحمل معه آمالا وطموحات عريضة في أول زيارة له إلى العاصمة الصينية بكين، لبناء ما أسماه علاقات شراكة إستراتيجية شاملة تبدأ عند التعاون الثنائي ولا تنتهي عند قضايا إقليمية ودولية كالتغيرات المناخية والبيئة والحرب على ما يسمى الإرهاب وإصلاح الأمم المتحدة ومجلس الأمن. 

وتعتقد دلهي بأنها قد تكون الخيار الأفضل لبكين وأهون "الشرين" للحصول على دعم صيني لدخول مجلس الأمن العتيد إذا دخلت حلبة التنافس مع اليابان المنافس الإستراتيجي الآخر لبكين.

الاقتصاد هو الحل
اللقاء بين أسرع اقتصادين نموا في العالم والفرص الاستثمارية الهائلة التي يوفرانها كان لا بد له من قمة أخرى على هامش القمة التي حضرها أكثر من 400 شخصية من كبار رؤساء الشركات ورجال الأعمال في البلدين، لبحث سبل مضاعفة الميزان التجاري بينهما ليصل إلى 40 مليار دولار خلال العامين القادمين.

ويعتقد الجانبان أن تطوير العلاقات الاقتصادية والتجارية بينهما هو المفتاح لحل جميع القضايا والمشكلات السياسية العالقة بينهما.


روح رياضية
الضيف الهندي كان قد بدأ زيارته من أحد المواقع الأولمبية الصينية فيما بدا أنه إشارة إلى طمأنة بكين بأن دلهي ستمارس ضغطا على ما يسمى بحكومة التيبت في المنفى الهندي وزعيمها الدلاي لاما الذي تعتبره بكين منشقا سياسيا انفصاليا، وعدم السماح له بتعكير أجواء دورة الألعاب الأولمبية القادمة التي توليها بكين أهمية فائقة.

وكان الجانبان قد قطعا شوطا طويلا من مفاوضات شائكة لترسيم الحدود بينهما، لكنها ومع التقدم الطفيف الذي أحرزته ومع الهدوء والتنمية الاقتصادية والتجارية التي تشهدها المنطقة لم تسفر بعد عن اتفاقية.

وكان جيشا البلدين قد خاضا حربا محدودة في تلك المنطقة بداية ستينيات القرن الماضي.

ولتبديد الشكوك وتعزيز الثقة بين الجيشين أجريا مؤخرا مناورات عسكرية مشتركة حملت شعار "يدا بيد"، ورغم أنها اعتبرت خطوة رمزية فقط من خلال عدد القوات المشاركة فيها ونوعية الأسلحة المستخدمة، فإن أهميتها تكمن في كونها الأولى من نوعها بينهما.


"
التقارب بين أقوى قوتين ناهضتين وأقدم حضارتين لا بد أن يثير اهتمام المراقبين ولا بد للقوى الكبرى أن تمحص في تفاصيله
"

ضرورات وتعقيدات
التقارب بين العملاقين النوويين الآسيويين ليس وليد هذه الزيارة بل منذ زيارة كسر الجليد التاريخية التي أجراها رئيس الوزراء الهندي السابق فاجبايي إلى بكين عام 2003.

وردت عليها بكين بزيارة مماثلة لرئيس الوزراء ون جياباو إلى دلهي عام 2005 وأعقبتها بزيارة أخرى للرئيس الصيني خو جينتاو إلى إلى الهند عام 2006 وتواصلت بعدهما الزيارات رفيعة المستوى بين الجانبين.

لكن الزيارة الحالية لسينغ تأتي في ظل الحديث عن محور أو قطب دولي جديد قيد التشكل يضم موسكو ودلهي وبكين، يرى مراقبون أنه قد يكسر حدة الأحادية القطبية ويعيد التوازن إلى واقع دولي مختل.

لكن لا يزال من المبكر الحكم على إمكانية تبلور هذا المثلث خلال السنوات القليلة القادمة، إذ إن أزمة الثقة الموجودة بين أضلاعه الثلاثة والتعقيدات المحلية والإقليمية والدولية التي تحيط بها تحتاج إلى فترة زمنية أطول لتجاوزها.

فعلى سبيل المثال فيما يختص بالعلاقات بين الهند والصين فإن التقارب المستمر بين دلهي وواشنطن وتوقيع اتفاقية للتعاون النووي السلمي بينهما، يثير بلا شك هواجس بكين.

ولا تزال الهند تفرض حظرا يمنع الاقتراب من الموانئ الهندية القريبة من مواقعها النووية على بضائع وبواخر شركة "سور الصين" الصينية المعروفة بارتباطها بتجارة التقنية العسكرية العالية والتي تتعرض لعقوبات أميركية.

وبالمقابل فإن استمرار التعاون العسكري بين بكين وإسلام آباد الحليف الأساسي لبكين في المنطقة، لا بد أن يثير أيضا قلقا وشكوكا لدى دلهي. ناهيك عن تشعبات التنافس الصيني الهندي الإقليمي على الثروات والموارد في دول أخرى مثل نيبال وميانمار وبوتان.

ربما ينجح رئيس الوزراء الهندي في تحقيق العديد من أهدافه في أول زيارة له إلى بكين، لكن حقيقة العلاقات بين البلدين وتعقيداتها التاريخية والجغرافية والإقليمية تجعل من المبكر القول إن الزيارة نجحت في تشكيل جبهة آسيوية جديدة تضم ثلث سكان العالم. 

ومع هذا فإن التقارب بين أقوى قوتين ناهضتين وأقدم حضارتين، لا بد أن يثير اهتمام المراقبين ولا بد للقوى الكبرى أن تمحص في تفاصيله وتعد العدة لتداعياته المحتملة.

المصدر : الجزيرة