كوسوفو.. الأرض والشعب وثمن الاستقلال

خارطة كوسوفو السياسية
محمد عبد العاطي-الجزيرة نت
 
كوسوفو إقليم تديره الأمم المتحدة، يعرف في الجغرافيا السياسية بـ"االأرض الحبيسة" لأنه غير مطل على أي منفذ بحري. تحيطه صربيا والجبل الأسود ومقدونيا وألبانيا. مساحته تزيد قليلا عن عشرة آلاف كليومتر مربع، عاصمته بريشتينا، كان يسمى في الماضي "داردانيا" أي أرض الكمثرى، ويطلق عليه الصرب "كوسوفو" بينما يحبذ الألبان اسم "كوسوفا". 
 
الأرض والسكان
الأرض في كوسوفو يغلب عليها السهول الخضراء المحاطة بالجبال والتلال، يجري فيها أربعة أنهار، وفيها 17 بحيرة، ومع ذلك فإن غالبية السكان فقراء وتبلغ نسبة البطالة بينهم 40%.
 
عدد سكان كوسوفو حوالي مليونين، 90% منهم ألبان (جلهم مسلمون)، و8% صرب، و2% قوميات وأعراق أخرى.
 
نصف عدد الكوسوفيين تقل أعمارهم عن العشرين عاماً، وأكثر من ثلاثة أرباعهم تقل أعمارهم عن 35 عاماً.

لمحة تاريخية
ظلت كوسوفو خاضعة للحكم التركي طيلة خمسة قرون منذ أن فتحها السلطان العثماني مراد الأول عام 1389 حتى هزيمة تركيا في الحرب العالمية الأولى.

 
في عام 1918 وبعد سلسلة من المؤتمرات الدولية أهمها سان ستيفانو، وبرلين، ولندن، وباريس آلت كوسوفو في نهاية المطاف إلى صربيا.
 
خضعت كوسوفو في الحرب العالمية الثانية لألبانيا التي كانت خاضعة بدورها لإيطاليا.
 
بعد الحرب العالمية الثانية وفي عهد الرئيس اليوغسلافي جوزيف بروز تيتو عاشت كوسوفو حكما ذاتيا ضمن إطار اتحاد الجمهوريات اليوغسلافية إلى أواخر السبعينيات من القرن العشرين.
 

سلوبودان ميلوسوفيتش (رويترز-أرشيف) 
سلوبودان ميلوسوفيتش (رويترز-أرشيف) 

إلغاء الحكم الذاتي


في الثمانينيات ألغى الرئيس الصربي

سلوبودان ميلوسوفيتش الحكم الذاتي الذي كان يتمتع به ألبان كوسوفو، وحكم الإقليم بالحديد والنار مستخدما أساليب بوليسية وقمعية عنيفة.
 
نظم أهالي كوسوفو أنفسهم لمواجهة الاضطهاد الذي يتعرضون له بعد إلغاء الحكم الذاتي، واتخذ تنظيمهم طابعا قوميا أكثر منه دينيا، وقادهم آنذاك حزب الاتحاد الديمقراطي الألباني الذي كان يترأسه الأديب والأستاذ الجامعي إبراهيم روغوفا، وكان يتخذ من النضال السياسي السلمي منهجا له.
 
في سبتمبر/أيلول عام 1991 أجرى أهالي كوسوفو استفتاء عاما كانت نتيجته معبرة عن رغبة الغالبية العظمى في الانفصال عن صربيا وإقامة جمهورية مستقلة.
 
إعلان الجمهورية
في الرابع والعشرين من مايو/أيار 1992 انتخب الألبان روغوفا رئيسا لجمهوريتهم التي أطلقوا عليها اسم "جمهورية كوسوفو"، ولم تعترف بها صربيا.
 
إبراهيم روغوفا (الفرنسية-أرشيف)
إبراهيم روغوفا (الفرنسية-أرشيف)

حاول إبراهيم روغوفا المعروف بنهجه السلمي كسب تعاطف المجتمع الدولي ونيل اعترافه بجمهورية كوسوفو لكنه لم ينجح فكون الشباب الألباني خلايا عسكرية سموها جيش تحرير كوسوفو.

 
كان عام 1998 هو العام الذي لفت أنظار العالم بقوة إلى خطورة الأوضاع في كوسوفو حيث دخل جيش تحرير كوسوفو في صراع مع الجيش الصربي، وارتكب فيها الأخير مجازر وحشية ضد المدنيين الألبان، مما أجبر المجتمع الدولي على التحرك.
 
مفاوضات رامبوييه
دخل الألبان والصرب برعاية دولية وبالأخص من حلف شمال الأطلسي (الناتو) في مفاوضات عقدت في قصر رامبوييه بفرنسا في فبراير/شباط من العام 1999، ووافق الطرف الألباني على الخطة الدولية لإحلال السلام في كوسوفو والتي كان من أفكارها الرئيسية وضع كوسوفو لفترة من الوقت تحت إدارة الأمم المتحدة بينما رفضها الصرب.
 
انسحاب صربيا
شنت قوات حلف شمال الأطلسي (الناتو) في صباح الرابع والعشرين من مارس/آذار عام 1999 حملة جوية ضد القوات الصربية لإرغامها على الانسحاب من كوسوفو، وبعد 48 يوما من الغارات المتواصلة نجح الناتو في ذلك وأجبر الصرب على الانسحاب.
 
لكن خلال فترة الحرب زادت جرعات الجيش الصربي من الانتقام من ألبان كوسوفو وارتكبت بحقه ما وصفه خبراء القانون الدولي بجرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية.
 
ضريبة الاستقلال
انسحب الصرب بفضل ضربات جيش تحرير كوسوفو والضربات الجوية للناتو، وتحرر الإقليم من حكم ميلوسوفيتش الدموي لكن كان ثمن هذا التحرر غاليا فوفقا لإحصائيات لجنة حقوق الإنسان الكوسوفية فإنه قد تم:
  • قتل أكثر من 12 ألف ألباني (العدد كل فترة يتزايد باكتشاف المزيد من المقابر الجماعية، حيث اكتشف منها أكثر 550 مقبرة، كل واحدة منها تضم ما بين خمسين إلى 150 قتيلا، بين هذه المقابر ما يضم رفات 170 عائلة قتل جميع أفرادها).
  • تدمير وإحراق 128 ألف بيت.
  • فقدان حوالي 3200 ألباني لا يعرف لهم أثر.
  • اغتصاب أكثر من 3000 فتاة وسيدة.
  • تعذيب عشرات الآلاف في معسكرات جماعية.

قرار 1244
بعد انتهاء الحرب في منتصف عام 1999 أصدر مجلس الأمن قراره رقم 1244 ليحدد شكل ومهمات الإدارتين الدوليتين العسكرية والمدنية المكلفتين بإدارة إقليم كوسوفو.

الإدارة العسكرية
ووفقا للقرار الأممي فقد تشكلت قوة دولية تعرف باسم كيفور KFOR، مؤلفة من خمسين ألف جندي، ينتمون إلى 39 دولة، ويتوزعون على خمس مناطق تتولى قيادتها خمس دول، هي: الولايات المتحدة، وبريطانيا، وفرنسا، وألمانيا وإيطاليا، ومهامها تتلخص في:
  • ضمان الأمن.
  • مراقبة الحدود.
  • تسهيل عمليات الإغاثة الإنسانية.

ولم يحد قرار مجلس الأمن جدولا زمنيا للانتهاء من هذه المهام، ولم يضع تاريخا لسحب تلك القوات. 

الإدارة المدنية
أما الشؤون المدنية فتديرها هيئة متخصصة تعرف باسم "أونميك" يترأسها ممثل عن الأمم المتحدة، ويعد هو الحاكم الفعلي لكوسوفو، ودورها تنفيذي، وهي أشبه بإدارة انتقالية في إطار حكم ذاتي ريثما يتم التوصل إلى صيغة نهائية للحكم.
 
تنقسم الإدارة المدنية بدورها إلى أربعة أفرع:
  • فرع الأمن، يتولى مسؤوليته ألفان وخمسمئة رجل شرطة، قدموا من بلدان مختلفة.
  • فرع المساعدات الإنسانية، وتتولاها المفوضية العليا للاجئين.
  • فرع بناء المؤسسات وترسيخ الديمقراطية، تحت إشراف منظمة الأمن والتعاون الأوروبي.
  • فرع الاقتصاد، ويتحمل مسؤوليته الاتحاد الأوروبي.

هذه الإدارة المختلفة تمارس عملها بالتعاون مع حكومة محلية مؤقتة تم تشكليها إلى حين إجراء انتخابات عامة في البلاد، وبالتنسيق مع ما يزيد عن ثلاثمئة من المنظمات غير الحكومية.

مشكلة مزمنة
تواجه كوسوفو مشكلة مزمنة تهدد دوما أي صيغة للسلام بعدم الفعالية، هذه المشكلة تتمثل في مشاعر الكراهية والحقد الدفين والمتوارث عبر أكثر من ستمئة عام بين الأقلية الصربية والأغلبية الألبانية، وهو ما يتخذ أشكالا مختلفة من الصراع ويتسبب باستمرار في عدم الاستقرار.
 
العلاقة مع العالم الإسلامي
علاقة كوسوفو بالعالم الإسلامي هشة ومحدودة، ويغلب على توجهات الدول العربية والإسلامية إزاءها الفكر الإغاثي أكثر من السياسي والحضاري، وهو ما يسبب شعورا بالأسى في نفوس أهالي كوسوفو الذين يتوقون إلى علاقات متينة مع دول وشعوب العالم الإسلامي تخفف عنهم مشاعر الاغتراب داخل المحيط الأوروبي.
المصدر : الجزيرة