ثلث اللبنانيين يميلون للعيش خارج بلدهم بسبب الحروب

الصورة من شبكة الأنباء الإنسانية "إيرين". (مركز مدينة بيروت المزدحم في العادة يبدو هادئاً الآن لأن الناس يخشون التفجيرات)

مركز بيروت المزدحم في العادة يبدو هادئا بسبب خشية الناس من التفجيرات (إيرين)

خاص-بيروت

حذر باحثون من أن عدم الاستقرار الاقتصادي والتهديدات الأمنية المستمرة في لبنان ستدفع بالمزيد من الشباب اللبناني المتعلم للرحيل إلى الخارج, ما يستنزف العقول ويهدد المستقبل الاقتصادي والاجتماعي للبلاد.
 
ونقلت شبكة الأنباء الإنسانية (إيرين) عن رئيس مؤسسة البحوث والاستشارات اللبنانية كمال حمدان قوله إن لبنان يعاني من هجرة واسعة للعقول, فالمتعلمون يأخذون شهاداتهم ويرحلون للعمل كمديرين تنفيذيين من الدرجة المتوسطة وكرجال أعمال.
 
وأوضح أن غيابهم على المدى البعيد يعني أن لبنان قد يواجه نقصاً خطيرا في صناع القرار.
 
وفي استطلاع نشر في أبريل/ نيسان الماضي أجراه مركز المعلومات الدولي -وهو مركز بحوث مستقل يتخذ من بيروت مقراً له- لوحظ أن 30% من اللبنانيين يريدون الهجرة, حيث ارتفعت النسبة إلى نحو 60% ضمن الفئة العمرية من 19 إلى 25 عاماً.
 
كما أظهر الاستطلاع أن نحو 12% من الطلاب الجامعيين يريدون الهجرة مقابل 15% من الأشخاص المهنيين.
 
وقدر الخبير الاقتصادي إيلي يشوعي عضو مجلس إدارة المجلس الوطني للبحث العلمي في لبنان بأنه في العامين الماضيين غادر لبنان أكثر من نصف من خريجي الجامعات.
 
وقد استطلع المسح 997 مواطناً لبنانياً من مختلف الأعمار والأديان في كافة أنحاء البلاد في فبراير/ شباط الماضي. وقال نحو نصف الموارنة -أكبر طائفة مسيحية في لبنان- إنهم يفكرون في الهجرة، بينما قال 22% من الشيعة و26% من السنة إنهم يفكرون بالعيش في الخارج.
 
ويعيش داخل لبنان نحو أربعة ملايين مواطن, بينما يغترب في الخارج 16 مليونا. وتسكن أكبر الجاليات اللبنانية في أميركا الجنوبية وغرب أفريقيا والولايات المتحدة وكندا وأستراليا.
 
تشاؤم في الأفق
مقهى فارغ في قلب بيروت هجره الزبائن منذ الغزو الإسرائيلي (إيرين)
مقهى فارغ في قلب بيروت هجره الزبائن منذ الغزو الإسرائيلي (إيرين)
عبدو أسمر (24 عاماً) يعمل حارسا أمنيا في شركة خاصة وهي مهنة يصفها "بالمزدهرة في لبنان نظراً للظروف الحالية التي تمر بها البلاد".
 
وقد تلقى أسمر مؤخراً عرضا يسمح له بالعمل في المنطقة الخضراء بالعراق, لكنها ليست الوجهة التي كان يأمل الانتقال إليها.
 
غير أنه يفكر ويقول "راتبي في المنطقة الخضراء سيكون عشرة أضعاف ما أحصل عليه حالياً.. ما فائدة البقاء هنا؟ إذا كنت سأموت في كل الأحول فإنني أفضل أن أموت غنياً".
 
أما هادي السبع (27 عاما) خريج صحافة، لكنه رغم حصوله على وظيفة ثابتة في صحيفة محلية, يسعى إلى الإقامة في دبي "حيث يقدر الصحفيون ويحترمون ويقدم لهم راتب مناسب". ويضيف "على الأقل لن أقلق هناك على أطفالي عندما يحدث أي تفجير في لبنان".
 
وتعيق الحساسيات السياسية جهود تسجيل الأرقام الفعلية للمهاجرين من لبنان. ولم يتم تنظيم أي إحصاء رسمي بذلك منذ عام 1932 خوفاً من تغيير الوضع المتفق عليه لمناصب السلطة الحساسة بين طوائف لبنان المتنافسة. ويعتبر هذا الموضوع من المحرمات في لبنان نظراً للخوف الرسمي من الكشف عن التركيبة الحقيقية الدينية والعرقية للسكان, حسبما يقول حمدان.
 
ويقدر الأجر الرسمي الأدنى في لبنان بأقل من 300 دولار في الشهر ولم يتم تعديل هذا الأجر منذ عام 1996. وأظهر تقرير صادر عن البنك الدولي في مايو/ أيار الماضي أن نحو 26% من الناتج المحلي الكلي للبلاد البالغ نحو 5.6 مليارات دولار يأتي عن طريق المهاجرين وذلك بالاعتماد على حسابات ميزان المدفوعات لعام 2006.
 
كما أظهر التقرير أن 45% من هذه التعاملات تأتي من اللبنانيين المقيمين في دول الخليج البالغ عددهم 400 ألف شخص، خاصة الذين يعيشون في السعودية والإمارات والكويت.
 
ويلقي الباحث الاقتصادي إيلي يشوعي اللوم على "السياسات الخاطئة التي اتبعتها الحكومات المتعاقبة، ما أدى إلى فشل النمو الاقتصادي وارتفاع الدين العام بشكل هائل".
 
الدين اللبناني
وأخبر يشوعي وكالة إيرين بأنه إضافة إلى الوضع الأمني المتدهور حالياً، تقف مديونية البلاد الهائلة في طريق تحقيق النمو الاقتصادي.
 
ووفقاً للتقديرات فإن الدين العام للبنان يزيد عن 40 مليار دولار عام 2006, وهو ما يساوي 209% من الناتج المحلي الكلي للبلاد، ما يجعل هذا الدين من أعلى الديون في العالم.
 
وستذهب مليارات الدولارات التي حصل عليها لبنان كتبرعات في مؤتمر المانحين الدوليين (باريس/3) لتسديد فوائد الدين العام.
 
وقال يشوعي "لدى لبنان ثلاثة مصادر للدخل: الموارد الطبيعية, والموارد المالية والموارد البشرية, وإذا اختفى المصدر الثالث فسنفقد القدرة على إدارة المصدرين الآخرين".
 
ولكن بالنسبة للبعض حتى إذا تمت الإصلاحات الاقتصادية الضرورية وتوفر الراتب الجيد فذلك لن يدفعهم للبقاء في لبنان. وقال الصحفي سبع "لا يهمني إذا قاموا بحل الوضع الآن أو في أي وقت آخر.. ما فائدة الإصلاح الاقتصادي إذا كنت في طريقي لشراء الخبز وانفجرت أمامي سيارة مفخخة؟".
__________________
شبكة الأنباء الإنسانية "إيرين": خدمة إخبارية تابعة لمكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية "أوتشا".
المصدر : الجزيرة