رحلة بابا الفاتيكان من عشق المسرح إلى عولمة الكنيسة

-
 
 
تمكن يوحنا بولص الثاني الذي جاء للفاتيكان من خشبة المسرح من أن يظل طيلة أكثر من ربع قرن في واجهة الأحداث الدولية من خلال فتحه للكنيسة الكاثوليكة على العالم وبانخراطه المستمر في كبرى النقاشات المتعلقة بماضي وحاضر ومستقبل الإنسانية.
 
لكن حضور بابا الفاتيكان يبقى أكثر قوة في حياة أتباع الكنيسة الكاثوليكية -باعتباره يستمد سلطته مباشرة من المسيح في نظرهم- لما يمثله من رمزية خلاصية وغفرانية ولكونه حول كنيستهم إلى فاعل ذي نفوذ قوي في الساحة الدولية.
 
فإلى جانب الرسالة الروحية الخالصة التي كان يضطلع بها، دخل الرجل التاريخ بمساهمته الكبيرة في انهيار المعسكر الشيوعي وذلك من خلال مساندة الكنيسة ماديا ومعنويا لحركة" التضامن" العمالية البولندية التي عصفت بالنظام الشيوعي في البلاد لتسرع بالتالي بسقوط المعسكر بكامله.
 
ولهذا لا يتردد البابا البولندي الأصل الذي رأى النور عام 1920 في اتهام الكتلة الشيوعية بتدبير محاولة اغتياله على يد شخص يدعى محمد علي آغا في مطلع  الثمانينيات من القرن الماضي.

 

undefinedحوار وتكفير

لكن التوجه الكوني لبابا واسمه الحقيقي كارول فويتيلا وهو البابا الأول غير الإيطالي منذ البابا أدريانوس السادس (1522- 1523)، اكتسب قوة أكثر من خلال تشجيعه الحوار بين الديانات عبر سلسلة من اللقاءات وفي التقريب بين الكنائس المسيحية.
 
وسيحتفظ التاريخ ليوحنا بولص الثاني بكونه أول بابا في التاريخ تطأ قدماه مسجدا في بلد مسلم إذ تم ذلك أثناء زيارة البابا لسوريا في مايو/أيار 2001. وكان البابا قد زار عام 1986 المغرب وخرج عشرات الآلاف لاستقباله واستمعوا لخطاب ألقاه في أكبر ملعب لكرة القدم بالمملكة.
 
وفي علاقاته مع اليهودية اعترف الفاتيكان بإسرائيل بشكل رسمي عام 1986 وزار في نفس العام كنيسا في روما مع كل ما يحمله ذلك الاعتراف وتلك الزيارة من أبعاد عقدية.
 
وفي مراجعة كبيرة لماضي الكنيسة في شبه اعتراف بالخطيئة، فتح الفاتيكان عدة ملفات سوداء في تاريخ الكنيسة تشمل محاكم التفتيش والحروب الصليبية وتجارة العبيد وما يسمى محرقة اليهود.
 
وإذا كانت العلاقات مع اليهود واليهودية تتجه نحو نوع من "التطبيع" بفعل الضغوط القوية للوبيات اليهودية التي توجهت بالشروع في فتح ملفات الفاتيكان في عهد البابا بيوس الثاني عشر المتعلقة بمواقف الكنيسة مما تعرض له اليهود على يد ألمانيا النازية، فإن التوجه التكفيري لا يبدو أنه سيشمل الماضي الصليبي للكنيسة ومعاناة المسلمين مع محاكم التفتيش في إسبانيا في القرن الخامس عشر.
 
في مقابل ذلك فإن البابا أبدى مواقف مناصرة للقضايا العربية وخاصة للقضية الفلسطينية حيث فتح لأول مرة أبواب حاضرة الفاتيكان عام 1981 للزعيم الفلسطيني الراحل ياسر عرفات وهاجم بشدة الجدار العازل الذي يبنيه الاحتلال الإسرائيلي في الضفة الغربية وكان من أشد المعارضين لشن الحرب على العراق عام 2003.

 

undefinedمن المسرح للفاتيكان 
عندما تولى يوحنا بولص الثاني مقاليد الكنيسة الكاثوليكية عام 1978 كان أصغر بابا في القرن العشرين حيث كان عمره آنذاك 58 عاما وجاء ذلك بعد ارتقاء سريع لسلم الكهنوت الكاثوليكي بعد أن أصبح كبير أساقفة كراكوف، رابع أكبر مدن بولندا.
 
لم تكن المراحل الأولى من حياة كارول فويتيلا تحمل إرهاصات توليه قيادة الفاتيكان في يوم من الأيام إذ كان يحلم في أن يصبح ممثلا وكان في شبابه يهوى كرة القدم والتزلج وكان من عشاق المسرح.
 
لكن الانعطافة الحاسمة في حياة فويتيلا كانت أثناء الاحتلال النازي إبان الحرب العالمية الثانية حيث درس علم اللاهوت سرا لبعض الوقت ثم نصب قسا عام 1946 وارتقى سلم الكهانة حتى أصبح كبير أساقفة عام 1964 ثم كاردينالا عام 1967.
 
وخلال توليه للبابوية جاب يوحنا بولص الثاني العالم 27 مرة زار خلالها أكثر من 100 دولة وحول الفاتيكان لآلة لإنتاج القديسين حيث تم في عهده أكبر عدد من عمليات التقديس و"التطويب".
 
لكن مهمة يوحنا، الذي يصارع المرض منذ سنوات، لم تكن رحلة استجمام في عالم سريع التطور والتحول في جميع الميادين ومتشابك العلائق والمصالح حيث أن عددا من آرائه في بعض أوجه الحياة المعاصرة كالطلاق ومنع الحمل والإجهاض أثارت جدلا حادا في العالم شمل حتى بعض الأوساط الكاثوليكية.
_______________
الجزيرة نت
المصدر : غير معروف