تأثير ارتفاع أسعار النفط على التنمية العربية

تأثير ارتفاع اسعار النفط على الوطن العربي


 ربيع ياغي

بداية لا بد من التأكيد على أن النفط الخام كان وسيبقى لأمد غير منظور المصدر الرئيس للطاقة في العالم والسلعة الأكثر وفرا وتوفيرا لإنتاج هذه الطاقة، وعليه فالنفط هو المادة الإستراتيجية التي تبنى عليها اقتصادات وسياسات الدول الصناعية وكذلك النامية، وما يستتبع من برامج اسثمارية ضخمة وخطط تنموية يلعب فيها النفط الدور الأساس.

وشاءت الأقدار أن تكون الدول العربية خاصة دول الجزيرة العربية المنبع الأول والأكبر في العالم لإنتاج النفط الخام حيث تشكل قدرة دول الأوابك (الدول العربية المصدرة للنفط) الإنتاجية قرابة 30% من الإنتاج العالمي ويمثل احتياطيها النفطي حوالي 68% من الاحتياطي العالمي المؤكد، في حين لا يتعدى عدد سكان الدول العربية نسبة 5% من تعداد سكان العالم، حيث لا يزيد استهلاكهم اليومي عن خمسة ملايين برميل نفط أي حوالي 6% من الاستهلاك العالمي للطاقة.

"
الإحصائيات الأخيرة تظهر أن ارتفاع أسعار النفط قد أسهم  في زيادة الدخل القومي لدى دول أوابك للعام 2004 بمبلغ تقديره الإجمالي 60 مليار دولار أميركي
"

وتدلّ الإحصائيات الأخيرة على أن ارتفاع أسعار النفط وملامسته الخمسين دولارا للبرميل الواحد، قد أسهم وبشكل ملحوظ في زيادة الدخل القومي لدى دول أوابك للعام 2004، بمبلغ تقديره الإجمالي 60 مليار دولار أميركي. ما قد يشكل حافزا مميزا في دفع مسيرة التنمية والرخاء في هذه الدول التي أنعم الله عليها بنعمة النفط, بينما قد تبلغ زيادة العجز في ميزان المدفوعات لدى الدول العربية المستوردة للنفط إلى حوالي أربعة مليارات دولار نتيجة هذا الارتفاع غير المتوقّع في الأسعار العالمية للنفط الخام وبالتالي في أسعار المشتقات النفطية التي تضاعفت أسعارها في العام 2004 مقارنة بالعام 2003.

ولكي نسلط الضوء على التأثير المباشر لهذا الارتفاع في أسعار النفط ومشتقاته على الدول العربية المصدرة والمستوردة, نرى لزاما علينا أن نقسم هذه الدول إلى مجموعات ثلاث, طبقا لمستوى استهلاك الطاقة النفطية وإنتاجها في كل منها.

1. المجموعة الأولى، وتضم البلدان العربية الرئيسية المصدرة للنفط ومشتقاته، وهي السعودية والإمارات العربية المتحدة والكويت وقطر والعراق وليبيا والجزائر وعمان والبحرين.

وهذه الدول تمتلك أكثر من 70 % من الاحتياط العالمي و97% من إجمالي الاحتياطي العربي للنفط. وتنتج حاليا حوالي 25% من الاستهلاك العالمي البالغ 82.5 مليون برميل يوميا.

ونظرا لتضاعف أسعار النفط في الربع الثاني والثالث من العام 2004 مقارنة بالفترة نفسها من العام 2003، حصدت هذه الدول ثمار الطفرة الحاصلة في أسعار البيع بزيادة إنتاجها ليلامس الحد الأقصى، وبالتالي مضاعفة الناتج المالي لمداخيلها النفطية بما يقارب الضعف، مما سينعكس إيجابا على برامجها التنموية في مجالات الصناعة، والإسكان والاتصالات والتعليم كما سيؤدي إلى انتعاش ملحوظ في الاستثمارات المالية في أسواق البورصة والأسهم المحلية خاصة في دول الخليج العربي، التي أسهم انكفاء الرساميل العربية (بعد هجمات سبتمبر/ أيلول 2001 على الولايات المتحدة) من الأسواق العالمية في نيويورك وأوروبا إلى تطو‍رها وازدهارها ضمن حدودها الإقليمية، ومن المحتم أن تساعد هذه المعطيات على إعطاء دفع قوي وسريع لفترة غير وجيزة من الرخاء وفرص العمل في شتى المجالات الحياتية.

2- المجموعة الثانية: وتضم البلدان العربية المنتجة للنفط الخام والمستهلكة محليا في مراكز التكرير القائمة فيها لجزء كبير من هذا الإنتاج، وهذه الدول هي مصر وسوريا واليمن وإلى حد ما السودان.

ونستطيع القول إن هذه المجموعة تعيش حالة من الاكتفاء الذاتي نفطيا مع توفر كميات معقولة (أقل من مليون برميل يوميا) للتصدير، وبالتالي تأمين مردود جيد من القطع الأجنبي الذي يسهم عمليا في تخفيض العجز السنوي في ميزان مدفوعاتها.

علما بأن هذه الدول تحظى بأكبر كثافة سكانية بين الدول العربية وبتباطؤ ملحوظ للنمو على جميع الصعد.

"
من الحلول القابلة للتداول لمعالجة الخلل الاقتصادي بين الدول الغنية بالنفط والدول المستهلكة له، كما يرى الكاتب:
– قيام تعاون عربي مشترك في المجال النفطي

– إنشاء مصرف استثمار عربي مشترك تموله الدول النفطية من خلال ضخ جزء يسير من زيادات عائداتها النفطية

– العمل على بناء هيكلية عربية نفطية من أجل خلق وتكريس نواة لسوق عربية موحدة تكون الطاقة حجر الزاوية في تشكيلها

"

ومما لا شك فيه أن زيادة أسعار النفط سوف تشكل رافدا فعالا لمعدلات النمو والتطوير الذي تطمح إليه مخططاتها الاقتصادية.

3-المجموعة الثالثة: وتضم الدول العربية المستوردة والمستهلكة بالمطلق للمشتقات البترولية ولا تملك أي مصادر ذاتية لإنتاج الطاقة، وفي مقدمة هذه البلدان لبنان والأردن والمغرب.

وهي تعاني بالعمق من حالة الارتفاع الضخم في أسعار النفط الخام والمشتقات النفطية التي انعكست سلبا على المواطنين فيها وعلى قطاعات الكهرباء والصناعة والزراعة, ما رفع نسبة العجز في ميزانها التجاري.

علما بأن هذه البلدان وخاصة لبنان تبلغ نسبة استهلاك الفرد من الطاقة فيها ما يعادل حوالي 2.5 طن متري من النفط المكافئ سنويا. وهي لا شك نسبة مرتفعة مقارنة بنسبة الاستهلاك الفردي سنويا عند مواطني المجموعة الثانية (1.5 طن مكافئ).

واللازمة القائمة عند المجموعة الثانية والثالثة هي تدني الحد الأدنى للأجور في موازاة المستويات العالية الأسعار المحلية للطاقة وبالتالي مستوى المعيشة المنخفض خاصة في الدول المستوردة وغير المنتجة للنفط.

وعطفا على ما سبق نجد أن هناك خللا واضحا في مستويات النمو والمعيشة بين الدول العربية الغنية بالنفط والغاز وغير المكتظة سكانيا، والدول العربية الفقيرة بمواردها الاقتصادية والمتخمة بتعدادها السكاني وبتراكم المديونية الخارجية.

وعليه لا بد من وضع تصور لحلول آتية ومستقبلية تسهم فيها الدول العربية المصدرة للنفط وتفيد منه كونه نعمة من الله سبحانه وتعالى، والدول العربية المستوردة للنفط -خاصة في مثل هذه الأوقات- حيث تشكل أسعاره لعنة على وضعها الاقتصادي العام.

وأهم الحلول التي نراها قابلة للتداول والبحث في تداعيات ارتفاع الأسعار الذي سيستمر قائما في المدى المنظور هي:

1- قيام تعاون عربي مشترك في المجال النفطي حيث تقوم الدول العربية وتحديدا الخليجية منها بدعم مباشر لحاجات الدول العربية المستوردة من المشتقات النفطية وبسعر الكلفة.

2- إنشاء مصرف استثمار عربي مشترك تموله الدول النفطية من خلال ضخ جزء يسير من زيادات عائداتها النفطية، بهدف استثمارها في صناعات نفطية من تكرير وتوزيع في الدول العربية الأخرى، حيث الأسواق الاستهلاكية متوفرة وبوتيرة متصاعدة.

3- العمل على بناء هيكلية عربية نفطية من أجل خلق وتكريس نواة لسوق عربية موحدة تكون الطاقة حجر الزاوية في تشكيلها، كي تصبح منطلقا لوحدة اقتصادية تتكامل من خلالها عناصر الطاقة البشرية مع الطاقة المالية، ما يساعدنا للخروج (رغم ثرواتنا) من تصنيف العالم الثالث بفقره وتخلفه إلى رحاب النمو وأجواء العولمة القادمة إلينا رغما عنا.
ـــــــــــــــــــــــ
خبير لبناني في الشؤون النفطية

المصدر : الجزيرة