من المسؤول عن موت الأطفال على حدود الاتحاد الأوروبي؟

A five-year-old Syrian refugee child named Maria died on an islet on the Greek-Turkish border as a group of 39 refugees were stranded there [Courtesy: Baida]
جميع قصص الموت والتعرض للأذى تحدث على الحدود الدولية حيث تشيع الإعادة القسرية "غير القانونية" لطالبي اللجوء من قبل السلطات المحلية (رويترز)

دعت باحثة في قضايا الهجرة أوروبا إلى الكف عن استخدام المنطق العنصري ذريعة للسيطرة على الحدود، قائلة إنه النهج ذاته الذي كان طابع ماضي أوروبا العنصري.

وذكرت كارولينا أوغستوفا -الحاصلة على درجة الدكتوراه في علم الاجتماع والعلاقات الخارجية من جامعة أستون في إنجلترا- أن آلاف الأطفال يموتون أو يتعرضون للأذى أثناء فرارهم إلى -أو داخل- أوروبا بحثا عن الأمان، وذلك بسبب السياسات الصارمة التي تتبعها دول تلك القارة لمراقبة حدودها.

واستهلت أوغستوفا مقالها بالموقع الإلكتروني لقناة الجزيرة الإنجليزية، بسرد قصة الطفلة ماريا (5 سنوات) التي قضت نحبها بلدغة عقرب على الحدود اليونانية التركية في العاشر من أغسطس/آب الماضي.

كانت ماريا -وهي طفلة سورية- ضمن مجموعة مكونة من 39 لاجئا عبروا من تركيا إلى اليونان طلبا للجوء، ولكن بدلا من ذلك دفعتهم السلطات اليونانية للعودة إلى جزيرة غير صالحة للسكن قرب نهر إيفروس الذي يمتد على طول الحدود.

تجاهل طلبات الاستغاثة

ورغم أن نشطاء اتصلوا بالشرطة اليونانية، والوكالة الأوروبية لحرس الحدود والسواحل (فرونتكس)، ومكتب المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في اليونان لإنقاذ المجموعة، فإن مكالماتهم قوبلت بالتجاهل باعتبارها "أخبارا كاذبة".

وروت أوغستوفا أيضا قصة طفلة أخرى لم تكن قد تجاوزت 4 سنوات من العمر توفيت إثر تحطم قارب كان يقلها مع لاجئين آخرين أثناء محاولتهم الوصول إلى إيطاليا. ورغم نداءات الاستغاثة، فإن السلطات الأوروبية لم تحرك ساكنا لمدة 6 أيام.

ولم تكن تلك مجرد حالات معزولة لأطفال لاجئين يموتون على الحدود الأوروبية أثناء فرارهم من الحرب، أو الاستبداد، أو الكوارث الطبيعية المرتبطة بتغير المناخ أو الفقر، أو مزيج من هذه العوامل.

ففي عام 2017، بثت وسائل إعلام دولية قصة طفلة أفغانية (6 سنوات) تُدعى مدينة حسين صدمها قطار بعد أن أعادتها السلطات الكرواتية وعائلتها إلى صربيا.

blogs لاجئين
أكثر من ألف طفل ماتوا أو فُقدوا خلال رحلاتهم إلى أوروبا بين عامي 2014 و2022 (رويترز)

أكثر من ألف طفل

وإلى جانب هذه القصص التي قلّما أميط عنها اللثام، أفاد "مشروع المهاجرين المفقودين" -وهو مبادرة أطلقتها المنظمة الدولية للهجرة- بأن أكثر من ألف طفل ماتوا أو فُقدوا خلال رحلاتهم إلى أوروبا بين عامي 2014 و2022.

وغالبا ما يصاب الأطفال الذين ينجون من رحلاتهم إلى دول الاتحاد الأوروبي أو يتعرضون لصدمات نفسية أثناء عبورهم الحدود.

وتقول أوغستوفا إنها التقت -أثناء إعداد بحثها عن العنف على الحدود- بالعديد من العائلات التي شاهدت أطفالها يتعرضون للأذى أو يموتون، مشيرة إلى أن قصصهم جاءت مشابهة لما حدث للطفلة ماريا.

وتضيف أن جميع تلك القصص وقعت على الحدود الدولية حيث تُعد الإعادة القسرية "غير القانونية" لطالبي اللجوء من قبل السلطات المحلية ووكالة فرونتكس ممارسة شائعة تحرم الناس من حق طلب اللجوء.

الحدود بين إيران وتركيا

وعلى بعد ألفي كيلومتر تقريبا إلى الشرق من المكان الذي ماتت فيه ماريا، تقع الحدود بين إيران وتركيا، والتي يحاول اللاجئون من أفغانستان وباكستان وبنغلاديش وإيران عبورها في طريقهم إلى أوروبا.

حتى طالبو اللجوء من جيران تركيا (العراق وسوريا) اختاروا هذا الطريق المحفوف بالمخاطر بعد أن أصبحت الحدود السورية التركية، والعراقية التركية، من الصعوبة بمكان اجتيازها.

وللحؤول دون تحرك طالبي اللجوء نحو حدود دوله، قدّم الاتحاد الأوروبي 110 ملايين دولار لتركيا لبناء جدار خرساني وتركيب معدات مراقبة إضافية على حدودها مع إيران. وبموازاة ذلك، أضحت العمليات التي تقوم بها سلطات الحدود التركية لرد المهاجرين غير النظاميين على أعقابهم، النمط الرئيسي لردع الهجرة.

وأشارت الباحثة في مقالها إلى حالات أخرى أُصيب، أو مات فيها، لاجئون -من بينهم أطفال- أثناء نقلهم بواسطة مهربين عبر الأراضي التركية. ونقلت عن لاجئ أفغاني التقت به في مدينة فان التركية القول "كنت هنا عندما غرق 70 شخصا في بحيرة فان، بينهم طفل يبلغ من العمر 6 أشهر من أفغانستان".

Children line up for food at a makeshift camp for migrants and refugees at the Greek-Macedonian border near the village of Idomeni, Greece, April 20, 2016. REUTERS/Stoyan Nenov
أطفال يصطفون للحصول على الطعام بمخيم مؤقت للمهاجرين واللاجئين على الحدود اليونانية المقدونية قرب قرية إيدوميني (رويترز)

الشرطة تتسبب في موت الأطفال

"كنا جميعا نبكي ودفنا الجثة الصغيرة في المقبرة المحلية". وأضافت أوغستوفا أنها سمعت أيضا قصصا عن أطفال لقوا مصرعهم عندما فتحت الشرطة النار على المركبات التي كانوا يستقلونها أو عندما تحطمت.

وعادة ما يصف مسؤولو تلك الدول حالات وفيات وإصابات الأطفال اللاجئين بأنها حوادث تقع بسبب التضاريس القاسية التي يعبرها اللاجئون وهجمات الحيوانات البرية، أو جراء تعاملهم مع المهربين.

وتميل سلطات الدولة التي يقصدها اللاجئون إلى إلقاء اللوم على الآباء ومقاضاتهم بشأن وفاة أطفالهم، وهي ممارسة دعمها حتى مسؤولو وكالات المعونة الدولية.

وتنسب الكاتبة إلى فينسنت كوشتيل المبعوث الخاص للمفوضية السامية لشؤون اللاجئين التابعة للأمم المتحدة، قوله إن محاكمة الآباء الرمزية بتهمة تعريض أطفالهم للخطر "يمكن أن تؤدي إلى تغيير جاد في المواقف أثناء رحلات الموت".

اللوم يقع على الدول الأوروبية

وتسعى حكومات دول الاتحاد الأوروبي ومسؤولوها، بتبنيهم هذه الرواية، إلى تبرئة أنفسهم من المسؤولية عن وفيات الأطفال اللاجئين، لكن اللوم يقع عليهم، كما تعتقد أوغستوفا.

وعزت الخبيرة بقضايا الهجرة في مقالها بموقع الجزيرة الإنجليزية، وضع الأطفال في مثل تلك المواقف الخطرة إلى سياسات الهجرة وضوابط الحدود التي ينتهجها الاتحاد الأوروبي بهدف الحد من وصول اللاجئين إلى دوله.

وأعربت عن اعتقادها بأن الأطفال يموتون على الحدود بسبب السياسات "العنيفة" التي تُنفذ عمدا لمنعهم من ممارسة حقهم في اللجوء، على حد تعبيرها.

وهذا يعني -والحديث لا يزال لكاتبة المقال- أن وفيات الأطفال ليست من قبيل الصدفة، بل هي نتاج "إستراتيجيات الاتحاد الأوروبي التي تحول دون وصول" طالبي اللجوء، وذلك بغية حرمانهم من الحقوق الممنوحة لهم بموجب القانون الدولي.

وتشدد أوغستوفا في نهاية مقالها على ضرورة أن يتخلى المسؤولون الأوروبيون عن سياسات الحدود المغلقة العنيفة وتطوير طرق آمنة وقانونية بالتعاون مع شركائهم الرئيسيين.

وبدلا من مقاضاة الآباء الذين فقدوا أطفالهم في رحلات الهجرة الخطرة، يجب على الحكومات محاسبة أفراد قوات الأمن الذين يرتكبون عمليات غير قانونية لإعادة اللاجئين قسريا إلى حيث أتوا، ويستخدمون العنف ضدهم.

المصدر : الجزيرة