لهذه الأسباب تتغاضى بريطانيا عن قمع السيسي

يتساءل الكاتب مارك كيرتس في مقال نشرته مجلة "ميدل إيست آي" البريطانية عن كيفية استفادة المملكة المتحدة اقتصاديا من نظام الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي.

 ويقول كيرتس -وهو المؤرخ والخبير في السياسة الخارجية للمملكة المتحدة– في المقال إن تزايد حجم التعاون التجاري بين بريطانيا والنظام العسكري في مصر يجعل لندن تتغاضى عن الفظائع التي ارتكبها هذا النظام بحق الشعب المصري، ومن بينها المجزرة التي اقترفها بحق المعتصمين في رابعة في 14 أغسطس/آب 2013.

فلقد قام النظام العسكري المصري بقيادة السيسي قبل خمس سنوات بسحق اعتصام في ميدان رابعة العدوية في القاهرة، في مذبحة أسفرت عن مقتل 817 شخصا على أقل تقدير.

ومنذ ذلك الحين، فقد مكن القمع المتزايد السيسي من تعزيز حكمه مع الحفاظ على دعم مؤيديه الغربيين الرئيسيين، ممثلين في الولايات المتحدة والمملكة المتحدة، حيث كانت سياسة بريطانيا تجاه مصر في السنوات الخمس الماضية صادمة، لتؤكد أن لندن تغض الطرف عن انتهاكات حقوق الإنسان، وتفضل دعم الأنظمة القمعية التي تضمن مصالحها التجارية في الشرق الأوسط.

تعذيب ووفيات
ومنذ ذلك الحين، أصبح التعذيب والوفيات أثناء الاحتجاز والقيود المفروضة على المجتمع المدني والصحافيين أمرًا شائعًا، وكشف تقرير صادر عن الحكومة البريطانية في عام 2017 عن وجود ستين ألف معتقل سياسي في مصر.

ولاحظت منظمة هيومن رايتس ووتش أن مذبحة رابعة كانت ربما أكبر عملية قتل جماعي للمحتجين في يوم واحد في التاريخ الحديث، وكانت أسوأ مما جرى من قتل في ساحة تيانانمن.

واستخدمت قوات الأمن سيارات مدرعة وجرافات وقناصة وأطلقت النار على المتظاهرين الذين نظموا اعتصاما لدعم حكومة الرئيس المصري محمد مرسي، أول رئيس منتخب ديمقراطيا في مصر.

 

صفقات الطاقة
ويضيف المؤرخ أنه في مارس/آذار 2015، وقعت شركة بريتيش بتروليوم البريطانية العملاقة للنفط صفقة استثمار ضخمة بقيمة 12 مليار دولار لمشروع نفط وغاز في دلتا النيل الغربي، حيث تمكن الاتفاقية -وهي أكبر استثمار أجنبي مباشر في مصر- الشركة من إنتاج خمسة تريليونات قدم مكعبة من موارد الغاز. 

وكانت حكومة مرسي اعترضت على الشروط المقترحة لشركة بريتش بتروليوم التي تنص أن يكون لها ملكية مباشرة على الموارد وتحقيق 100% من الأرباح، وبحلول منتصف 2013، أي قبل أسابيع قليلة من الانقلاب العسكري، انخرطت حكومة مرسي في محادثات مع الشركة، وطالبت بشروط أفضل.

غير أن سيطرة السيسي على السلطة غيّرت كل شيء، حيث تقدم الصفقة الجديدة شروطا سخية للغاية لشركة بريتش بتروليوم، وتبعد مصر عن نموذج المشاركة في الإنتاج المستخدم منذ فترة طويلة، حيث كان يجري تقسيم الأرباح بين الشركات والبلدان عادة بنسبة 20:80، وحيث جرى التحول إلى نظام منح الضرائب الذي يسيطر بشكل أساسي على الموارد الطبيعية للشركات الخاصة.

ويضيف الكاتب أنه بات من الممكن استئناف المشروع بفضل قمع نظام السيسي، حيث يهدد قانون التظاهر الجديد بفرض أحكام بالسجن لعدة سنوات على الاحتجاجات في الشوارع، الأمر الذي أدى إلى إسكات العديد من المنظمات غير الحكومية وقوى المعارضة.

ماي والسيسي
ويضيف الكاتب أن حجم المصالح التجارية يجعل بريطانيا على الأرجح من كبار المدافعين عن نظام السيسي، حيث هنأت رئيسة الوزراء البريطانية السيسي بمناسبة فوزه بالرئاسة لفترة ثانية في أبريل/نيسان الماضي.

ويشير الكاتب إلى حالة حقوق الإنسان المتدهورة في مصر، وينسب إلى الصحفي البريطاني بيتر أوبورن تصريحه بأن السفير البريطاني لدى مصر لم يشتك علنا أبدا عن قتل النظام المصري المواطنين من قبل أو عن تعذيب السجناء السياسيين واغتصابهم.

لكن ما يفعله هذا الدبلوماسي هو التأكيد على أن بريطانيا هي "شريك الاستثمار الأول في مصر".

المصدر : الجزيرة + الصحافة البريطانية