أبو الفتوح رهن الاعتقال.. مصر أيضا

Chairman of the Masr El Kaweya (Strong Egypt) party, Abdel Moneim Aboul Fotouh, speaks during a news conference in Cairo February 4, 2015. The party announced on Wednesday that they will boycott the upcoming long-awaited parliamentary elections. REUTERS/Mohamed Abd El Ghany (EGYPT - Tags: POLITICS ELECTIONS)
عبد المنعم أبو الفتوح اعتقل في فبراير/شباط 2018 ومدد حبسه في 20 يونيو/حزيران (رويترز)

جيل إسلامي جديد
عبد المنعم أبو الفتوح -الذي ولد بالقاهرة في 15 أكتوبر/تشرين الأول 1950- كان أحد أبرز قادة الحركة الطلابية الإسلامية، وبعد أن قرر الرئيس الأسبق أنور السادات فتح أبواب الجامعة أمام الطبقات الشعبية كان الوافدون الجدد يتسمون بتدين تقليدي جعلهم في تضاد مع مثقفي الوسط الجامعي الأكثر ميلا للعلمانية.

في هذا السياق، وعلى نمط سلفي غير مسيس بدأ بعض الطلبة الانتظام في جماعات إسلامية حيث كانوا ينظمون أنشطة دينية بحتة كتلاوة القرآن، وكان عبد المنعم أبو الفتوح طالب الطب في بداية السبعينيات أحد المبادرين لهذه التعبئة الناشئة، وقد ترأس ابتداء من 1973 جماعة كلية طب قصر العيني وعمل برفقة عصام العريان وإبراهيم الزعفراني على توسيعها على مستوى القطر بكامله.

وقد استلهم تدريجيا -أي "تسيَّس"ـ من الإخوان المسلمين الذي كان أنور السادات المراهن على استقطابهم قد بدأ بإخراجهم من السجون التي ألقاهم فيها عبد الناصر.

وقبل الشروع في الاستحواذ على النقابات المهنية بدأ الجيل الإسلامي الجديد داخل الجامعات في مواجهة مع اليسار بالمجال الطلابي خرج منها منتصرا حيث أصبح في نهاية السبعينيات يحظى بالأغلبية في ثماني جامعات من 12.

وأبو الفتوح الذي كان آنذاك رئيسا لاتحاد الطلاب في جامعة القاهرة اكتسب شعبية من خلال مهاجمة الرئيس السادات في 1975، حيث وجه له اللوم على الخصوص خلال نقاش تلفزيوني مشهود بأنه منع الشيخ محمد الغزالي من حرية الكلام.

متطلبات الديمقراطية
آنذاك أفصح أبو الفتوح -الذي كان على رأس التيار الإصلاحي- عن تقربه من الإخوان ليلتحق بهم رسميا في 1979، فهو مع أغلبية من مناصري الإصلاح الذين اصطحبهم معه أعطى لجماعة إخوانية هرمة أنهكها القمع الناصري نفسا ثانيا حاسما، وسرعان ما صُعّد أبو الفتوح إلى موقع "عضو مكتب الإرشاد" الذي انضم إليه سنة 1987.

تدريجيا، وفق مسار يستبق في كثير من النواحي تطور جماعة الإخوان وعدد من التشكيلات المنبثقة عنها (مثل النهضة لراشد الغنوشي بتونس) عمل على تطوير متطلبات العقيدة الدينية بعيدا عن التفسير الحرفي، حيث عمل على أخذ السياق بعين الاعتبار ليتحرر من القراءة الأصولية، وقد ارتكز هكذا بصفة أوضح على "مقاصد" الإيمان بدلا من الفهم الحرفي لتعابير العقيدة التي اعتمدتها المجتمعات التي سبقت.

وهكذا لعب أبو الفتوح دورا رائدا بارزا في استيعاب الإخوان تدريجيا -سواء في مصر أو في المنطقة- لمتطلبات الديمقراطية والتعددية، وقد حث على إقامة علاقات مع التشكيلات الحزبية الأخرى المقربة نوعا ما من التيار الإسلامي، مثل حزب العمال لعادل حسين والحزب الليبرالي الذي تحالف معه الإخوان الممنوعون من تقديم مرشحين خلال الانتخابات التشريعية سنة 1987.

الديني والسياسي
بعد استقالة المرشد العام محمد مهدي عاكف في 2010 ووصول خلفه المحافظ المتشدد محمد بديع عبر أبو الفتوح عن خلافه بشكل أكثر حدة، وخلال نفس السنة دعا إلى فصل واضح بين كل من الأجندة الدينية والسياسية لأعضاء جماعة الإخوان.
وإذا كان لا يزال مؤيدا لتجند الإخوان بشأن القضايا الوطنية والاجتماعية الكبرى فهو يؤيد فكرة أن أعضاء جماعة الإخوان يمكنهم اختيار الحزب الذي يريدون الانتماء إليه، وهو بالتالي يقوم بحصر عملهم في مجال الدعوة فقط.

في سنة 2011 كان أبو الفتوح من أولئك الذين أيدوا على الفور وبكل حماس انتفاضة الشباب ضد نظام حسني مبارك، وذلك على خلاف الإخوان التاريخيين الذين ترددوا في الأيام الأولى، وهكذا كان إحدى أولى الشخصيات المعارضة التي التحقت بالمتظاهرين في ميدان التحرير.

وفي يونيو/حزيران 2011 وعلى خلاف الخيار الذي تبناه الإخوان (حتى وقتها) بعدم تقديم مرشح قرر الترشح في الانتخابات الرئاسية الأولى مما حسم مسألة فصله من الجماعة.

وبعد أن احتل لفترة لا بأس بها أعلى مرتبة في استطلاعات الرأي قبل الناصري حمدين صباحي وفي نفس مستوى أحمد شفيق العسكري تمكن من استقطاب دعم من أطراف متباينة مثل الناشط في مواقع الإنترنت وائل غنيم الذي كان يرى فيه حلا وسطا بين ورثة السلطة والإسلاميين، والسلفي نادر بكار الناطق الرسمي الشاب لحزب النور الذي كان يبحث عن حلفاء في منافسة الإخوان.

المقاطعة هي الحل
وكان هدفه تقريب الإسلاميين من المعارضين العلمانيين حول برنامج يدعو إلى التحديث الاقتصادي والاندماج الاجتماعي، وانضم حزبه بعد ذلك إلى حملة الانتقادات التي ارتفعت ضد رئاسة محمد مرسي، ثم شارك في مظاهرات 30 يونيو/حزيران 2013 التي تم توظيفها في 3 يوليو/تموز لإضفاء الشرعية على الانقلاب العسكري، لكنه سرعان ما أدان هذا الانقلاب وأعرب عن إرادته في المساهمة في العودة إلى المسار الديمقراطي.

ولما تبين بصفة جلية أن السيسي يجر البلاد في اتجاه مختلف عن خطابه المعلن بشأن تعميق الديمقراطية اصطف أبو الفتوح بوضوح في معسكر المعارضة، ومع ذلك لم يلتحق حزب مصر القوية بـ"جبهة الدفاع عن الشرعية" التي كان يقودها الإخوان للمطالبة بعودة مرسي إلى الرئاسة وإلغاء التدابير التي فرضها الجيش.

وفي يونيو/حزيران 2018 يشير اعتقال أبو الفتوح والمعاملة السيئة المستمرة التي تمارس ضده -وهو واحد من ضمن آلاف السجناء السياسيين- إلى رفض النظام أي تعبير مستقل حتى إن كان يحمل رسالة اعتدال ومصالحة، فبين التذكير بمتطلبات الديمقراطية -مهما كانت شرعيتها- التي يوجهها الغربيون بانتظام إلى الرئيس التركي رجب طيب أردوغان وصمتهم المطبق أمام الانحرافات الخطيرة لشريكهم المصري يبدو التباين واضحا.

ويشير ذلك إلى فارق قديم يجعل أخلاق المهيمنين تتغير حين تكون الانحرافات السلطوية آتية من دائرة منافسيهم "المتمردين" (مثل أردوغان) أو من زبائنهم "الخاضعين" كما هو الحال بسجان عبد المنعم أبو الفتوح.

المصدر : الصحافة الفرنسية