في مصر.. حتى التهكم يقود إلى السجن

موقع ميديابارت استدل على ما ذهب إليه بحملة الاعتقالات التي شنتها قوات الأمن المصرية بعد أسابيع قليلة من تنصيب السيسي والتي طالت عشرات الناشطين أو الكوميديين بتهمة الانتماء إلى جماعة إرهابية.
بدأ فرانسوا هيوم فركاتادجي وأوليفيا ماكادري تقريرهما المطول بقصص بعض من اعتقلوا مؤخرا وما زالوا يقبعون وراء القضبان، قبل أن يناقشا حيثيات هذه الاعتقالات والظروف التي تمت فيها.
فهذه أمل فتحي تعتقل بعد بثها مقطع فيديو على صفحتها على فيسبوك شجبت فيه انتشار التحرش الجنسي في مصر.
أمل، حسب زوجها محمد لطفي، مدير المفوضية المصرية للحقوق والحريات، لم تترك شيئا يزعجها في هذا البلد إلا عرجت عليه في ذلك المقطع، من الفساد الإداري إلى الزيادة الأخيرة في سعر تذكرة مترو الأنفاق.
ولم تمض سوى بضعة أيام بعد ذلك حتى جاء دور الصحفي البارز والمدافع عن حقوق الإنسان وائل عباس، الحاصل على جائزة فرسان الصحافة لعام 2007، إذ اعتقل في ظروف مماثلة ولدوافع مشابهة.
وتعددت الاعتقالات والتهمة واحدة وهي الانتماء لجماعة محظورة وبث أفكار ذات طبيعة إرهابية فشملت حازم عبد العظيم، السياسي المؤيد السابق للسيسي ومعارضه الحالي، والطبيب شادي الغزالي حرب والمحامي هيثم محمدين والمدون الساخر شادي أبو زيد، والناشط باليوتيوب إبراهيم محمد رضوان المعروف بـ "محمد أكسجين".
والواضح حسب الصحيفة أن المستهدفين هم شخصيات وقادة رأي لديهم متابعون كثر على مواقع التواصل الاجتماعي.
وتعليقا على هذه الاعتقالات قالت مديرة قسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في هيومن رايتس ووتش سارة ليا ويتسون إن "الرسالة واضحة.. التصريحات الناقدة والساخرة كفيلة برمي المصريين في السجون".
وقد راهنت الأوساط الدبلوماسية الغربية في مصر على حدوث تغيير إيجابي في تعامل السيسي مع معارضيه بعد إعادة انتخابه، لكن الذي حدث هو عكس ذلك تماما، فمن الواضح، حسب المدير التنفيذي للمبادرة المصرية للحقوق الشخصية جاسر عبد الرازق "أننا لا نتجه إلى مزيد من العدالة والحرية، بل لمزيد من القمع، فالسيسي دشن ولايته الثانية بالهجوم على المعارضة العلمانية".
ورغم أن المعارضة المصرية غدت ضعيفة إلى أقصى حد منذ عام 2014، فإن السلطات المصرية لا تزال تتوجس منها خصوصا في ظل وضع اقتصادي صعب للغاية.
ولا يرى المدون والناشط بالشبكات الاجتماعية وائل إسكندر غرابة فيما يحصل بمصر، "فحتى الآن، نجحت إستراتيجيتهم القائمة على الترويع بشكل كامل، إذ لم يتعرضوا لأدنى إدانة دولية لما يقومون به، بل إن المجتمع الدولي ظل يلتزم الصمت مما شجع السلطات المصرية على القيام بكل ما في وسعها لإسكات أصوات المعارضة إلى الأبد، وبشكل عام، تلك طريقة لحكم البلاد بالخوف والرعب".
وتقدر المنظمات غير الحكومية أعداد المعتقلين في مصر لأسباب سياسية منذ عام 2013 إلى ما بين 40 ألفا و60 ألف شخص.
الولايات الرئاسية
وتعمل السلطات المصرية حاليا على إعادة تنظيم البرلمان لضمان ولاء النواب الكامل عند الحاجة إليهم، إذا هم السيسي بتغيير الدستور للسماح لنفسه بالبقاء في السلطة حتى بعد انتهاء ولايته الثانية، وهو ما يتطلب تعديلا لبعض المواد خاصة المتعلقة بعدد الولايات المسموح بها.
وتحت أعين السيسي أنشئ حزب جديد هو "مستقبل وطن" ويطمح هذا الحزب ليصبح القوة السياسية الأولى بمصر، وقد تمكن في غضون بضعة أسابيع من اجتذاب أكثر من 250 نائبا ممن تخلوا عن انتماءاتهم السابقة، رغم أن قواعد البرلمان تحظر تغيير الحزب خلال الفترة البرلمانية.
والواقع أن ما يجري حاليا هو إعادة تنظيم الديمقراطية المصرية، وهو ما تجلى في إنشاء كتلة برلمانية قوية، بدأ في إعدادها أقرب مؤيدي عبد الفتاح السيسي وذلك في مواجهة حزب الأغلبية الذي يدعم الرئيس أصلا.
وتلك خطوة اعتبرها أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة مصطفى كمال السيد محاولة التفاف على الديمقراطية لضمان أن يظل السيسي رئيسا، وهو ما يعلق عليه بتهكم قائلا "ليس ثمة توجه للقبول بوجود حزب معارض إنما صيغة كالتي شهدتها البرازيل بعد انقلاب عام 1964، ففي ظل النظام العسكري الحاكم، كان هناك طرفان والفرق بينهما أن أحدهما كان يقول نعم للحكومة، والآخر يقول نعم بالطبع".