ابن سلمان في ميزان الغرب.. قوي أم مستبد؟

epa06040250 (FILE) - Prince Mohammed bin Salman of Saudi Arabia looks on during a bilateral meeting with US President Barack Obama in the Oval Office of the White House in Washington, DC, USA, 13 May 2015. According to reports on 21 June 2017, 31 of 34 Saudi Arabian high-ranking royals have given their support to Prince Mohammad bin Salman after King of Saudi Arabia Salman bin Abdulaziz Al Saud appointed him as the Crown Prince and stripped Prince Mohammed bin Nayef of
ولي العهد السعودي محمد بن سلمان (الأوروبية)
تقول مجلة فورين بوليسي الأميركية على لسان الكاتب ستيفن كوك إن الاستبداديين يتزايدون في جميع أنحاء العالم، لكن التاريخ يبين أنهم على الغالب عاجزون وأضعف مما يبدون عليه، لكن ماذا عن ولي العهد السعودي محمد بن سلمان؟

يبدأ كوك -وهو كبير الباحثين لدى مجلس العلاقات الخارجية الأميركية- مقالته بالقول إن العقيد الليبي الراحل معمر القذافي سبق أن أعلن في منتصف العقد الأول من الألفية الثالثة إصلاحات من أعلى إلى أسفل، وإن تلك الإصلاحات كانت تلقى قبولا وديا في الأسواق العالمية ولدى المستثمرين وفي الولايات المتحدة وأوروبا.

ورغم أن القذافي أصبح موضوع ملامح متعاطفة في وسائل الإعلام الغربية الكبرى، فإن تلك المقالات لم تؤكد أبدا حقيقة أن القذافي الجديد استمر في حكم ليبيا بالعنف، تماما كما كان يفعل في سابق عهده.

ويضيف أن إرث القذافي تمثل بالفوضى وإراقة الدماء التي طغت على الليبيين منذ سقوطه.

ويقول إن قصة القذافي قد تعتبر إلى حد ما نموذجا للعديد من قادة الشرق الأوسط الذين وُصفوا قبل الأوان بأنهم إصلاحيون. ويتساءل: هل هناك قصة حب جديدة في هذا السياق -سواء داخل العالم العربي أو الغرب- مع الرجل القوي؟

معيار ذهبي
ويجيب بأن هذا الأمر ينطبق بشكل خاص على ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، الذي تعتبر مقتطفاته أو قصاصاته الصحفية المعيار الذهبي الذي يجب أن يتطلع إليه كل زعيم عالمي.

ويضيف أنه من المرجح أن ينمو سجل القصاصات الصحفية لولي العهد السعودي الأسبوع الجاري، وذلك مع زيارته المزمعة إلى لندن، حيث ستمد رئيسة الوزراء البريطانية تيريزا ماي السجادة الحمراء للملك الشاب في مرابعها، وذلك لتعزيز العلاقات المالية والعسكرية بين المملكة المتحدة والسعودية.

ويرى الكاتب أن عودة الأقوياء إلى الساحة هذه الأيام ترتبط في جزء منها بالرئيس الأميركي دونالد ترمب وبتصرفه الواضح تجاه القادة القساة في العالم.

ويضرب أمثلة على القادة القساة فيقول إنهم من أمثال الرئيس الروسي فلادمير بوتين والرئيس الفلبيني رودريغو دوتيرتي والرئيس المصري عبد الفتاح السيسي.

ويستدرك بالقول لكن هذا لا يعتبر خيارا سياسيا خاصا بترمب.

ولي العهد السعودي يحضر مؤتمر مبادرة استثمار المستقبل بالرياض يوم 24 أكتوبر/تشرين الأول 2017 (رويترز)
ولي العهد السعودي يحضر مؤتمر مبادرة استثمار المستقبل بالرياض يوم 24 أكتوبر/تشرين الأول 2017 (رويترز)

مستبدون واستقرار
ويوضح أنه بالرغم من أنه نادرا ما يكون لدى مسؤولي أوروبا خيار تجاه من يحكم البلدان الأخرى، فإنه يبدو أنهم يؤمنون بفكرة أن المستبدين يجلبون الاستقرار لبلدانهم.

ويضيف أن هذا الأمر يعتبر غريبا بشكل خاص، وذلك لأنه ليس لدى الأقوياء سجل جيد.

ويشير إلى أنه في خمسينيات وستينيات القرن الماضي كان هنالك قادة في الشرق الأوسط مثل الرئيس المصري الأسبق جمال عبد الناصر والرئيس الجزائري الأسبق هواري بومدين والرئيس السوري السابق حافظ الأسد، وأنهم جاءوا للسلطة وهم يعدون بالتنمية والإصلاح الاجتماعي والتمكين الوطني.

ويقول إن الدول الكبرى التي بناها هؤلاء القادة لم تَسُد سوى لفترات قصيرة، وذلك بفعل المد الثوري الذي سرعان ما خبا، وسط عدم وجود أي مظهر بطولي بشأن بناء "دولة المؤسسات".

ثم جاء الرئيس المصري الأسبق حسني مبارك والرئيس الجزائري الأسبق الشاذلي بن جديد ورئيس النظام السوري بشار الأسد الذين ترأسوا وضعا غير شرعي وغير مرغوب فيه بشكل متزايد، حيث ليس لدى هذه الدول من قدرة على فعل أي شيء باستثناء القدرة على إرغام مواطنيها.

ويقول إن هذه ليست مشكلة العرب وحدهم، بل إن الرئيس الفنزويلي الراحل هوغو تشافيز أطلق الثورة البوليفارية لكن خلفه نيكولاس مادورو أسهم في فشلها.

قادة وكاريزما
ويستدرك بأن الأمر يختلف لدى الحكومات في سنغافورة والإمارات وقطر التي لديها سجلات قوية في التنمية والأمن والمكانة العالمية، وأنه لا مجال لإنكار النجاح السنغافوري والإماراتي والقطري في كل الأحوال.

لكن هذه الإنجازات تعتبر محددة لهذه البلدان التي لديها عدد قليل من السكان وفي ظل مواقع فريدة من نوعها، حيث الثروة الهائلة والقادة الذين يتصفون بكاريزما.

ويقول إنه بالنسبة لصانعي السياسات في الغرب، فإنهم يرون أنه من الأسهل لهم التعامل مع قادة أقوياء، فالديمقراطية أثبتت أنها فوضوية.

ويضيف أن مظاهر الاستقرار والأمن التي  يوفرها القادة المستبدون لا تكاد تكون قوية، وأنها تميل إلى إنتاج أمراض تهدد سلطتهم، وأنها تنتج دورات من المعارضة والقمع والتطرف والعنف.

وعودة إلى ولي العهد السعودي، فيقول الكاتب إنه ليس من الصعب أن نرى جاذبية شخصيات مثل محمد بن سلمان بالنسبة إلى السعوديين وإلى الأجانب على حد سواء.

الطفلة بثينة نجت من قصف جوي تقوده السعودية على منزلها ذهب ضحيته عدد من أفراد أسرتها في صنعاء أواخر أغسطس/آب 2017 (رويترز)
الطفلة بثينة نجت من قصف جوي تقوده السعودية على منزلها ذهب ضحيته عدد من أفراد أسرتها في صنعاء أواخر أغسطس/آب 2017 (رويترز)

كارثة مخزية
ورغم أن الحرب في اليمن تعتبر كارثة مخزية، فإن ابن سلمان سيشكل عقدا اجتماعيا جديدا، وذلك بجعل بلاده تكون "مركزا للاستثمار"، والسماح للنساء بقيادة السيارة وإعطاء الشباب فرصة، وإن هذا يعتبر أفضل بكثير من السعودية الفاشلة أو التي في طريقها للفشل.

وأما الجاذبية الحقيقية لمحمد بن سلمان بالنسبة للغرب، فتتمثل في وعده "بإصلاح" الإسلام.

وهذا هو هدف السيسي نفسه، لكن هذا الهدف يحمل وزنا أكبر عندما يأتي من الرجل الذي سيكون خادم الحرمين الشريفين.

ولقد أوجد الملك السعودي المستقبلي سردا يقوم محاوروه الغربيون بتكراره مرات عديدة، وهو المتمثل في أن الوهابية كانت أكثر طيبة وأكثر لطفا، ولكن الثورة الإسلامية في إيران أدت إلى ظهور إسلام سعودي أقل تساهلا وأقل تسامحا.

ويضيف أن هذا النهج يعتبر مقنعا للعديدين من الذين قدموا مؤخرا إلى الرياض، فضلا عن العديدين من الذين يعيشون هناك، والذين يشعرون بسعادة غامرة في أعقاب كون الشرطة الدينية لم تعد قادرة على اعتقالهم باسم التمسك بما يسميه الكاتب "المبادئ المتطرفة" من الإسلام.

فشل وثمن
ويستدرك الكاتب بالقول، وإنه مع كل هذا، فإنه يبدو أن الحماس الذي يشعر به السعوديون والنخب الغربية تجاه ابن سلمان في غير محله.

فأسلوب ابن سلمان الأساسي لتنفيذ التغيير يعتمد على استحواذه على أكبر قدر من السلطة، وبينما لا يبدو أن مؤيديه يكترثون إزاء هذا الأمر، فإنهم هم الذين سيدفعون ثمن الفشل في التغيير، وخاصة في حال تزايد اتساع  الفجوة بين ما يعدهم به وبين الواقع الذي يعيشونه، وكذلك في حال تطورت المعارضة وانتشرت على نطاق واسع.

المصدر : الجزيرة + فورين بوليسي