لا تستغرب.. ليس جميع القتلة "وحوشا بشرية"

وقد اطلع زاغوري، بحكم عمله رئيسا لقسم الأمراض النفسية في مستشفى سين سان دوني، على الحالات النفسية لعدد من السفاحين ممن قاموا بعمليات قتل متسلسلة، ومن اقترفوا أعمال إبادة جماعية، ومن قتلوا آخرين لدوافع تافهة كرفض منح أحدهم سيجارة، هذا فضلا عن أمهات قتلن أولادهن.
ودفعته هذه التجربة إلى التشكيك في مفهوم "تفاهة الشر" الذي روجت له الفيلسوفة الألمانية حنة أرندت، موضحا أن المجرمين الكبار، بمن فيهم الإرهابيون، ليسوا مجانين ولا هم يعانون من اختلالات عقلية كبيرة.
ويؤكد زاغوري أن الأعمال الشريرة لا تقترف قط بوصفها شريرة، اللهم إلا عند بعض عتاة المنحرفين، بل إن من يقومون بهذه الأعمال يفعلون ذلك باسم الخير والعدل ومن أجل حماية المجتمع، مشيرا إلى أن "الوحوش البشرية" موجودون، لكنهم أقل من أن يمثلوا في النهاية خطرا كبيرا، فالخطر الحقيقي ينبع من أناس عاديين، على حد تعبيره.
وفي معرض جوابه عن سؤال بشأن العوامل المشتركة بين كل المجرمين، يقول زاغوري إذا ما استثنينا أن معظم هؤلاء ليسوا مجانين، فإننا نلاحظ أنهم يمرون بتحولات، تشجعها ممارسات في بيئة اجتماعية معينة، وبعبارة أخرى ليس هناك شيء اسمه شخصية إجرامية نموذجية يمكن أن نحدد سلفا أن صاحبها سيتحول إلى مقترف لإبادة جماعية أو إرهابي من نوع معين.
ويرفض زاغوري الفكرة القائلة بأن من تشبعوا بأفكار "الإرهاب الجهادي" -حسب وصف الغرب- لا يمكن أن يعودوا لرشدهم ولا يوجد لهم خط رجعة، قائلا إن على العالم النفساني أن يظل متواضعا في تقييمه لمثل هذه المسائل، "فالمرء الذي يعاني من مشكلة ما يبحث عن حل لمعضلته الداخلية من خلال مجموعة تقدم له إجابات في قوالب جاهزة، وبذلك فإن تاجر المخدرات الصغير المضطرب عقليا عندما يجد نفسه فجأة جنديا من جنود الله ينتظره مصير عظيم، ينبذ حياته الدنيوية، ويكون له إيمان راسخ بالملائكة والحور العين والجنة وثمارها الرائعة".
ولذلك لا يكون الموت بالنسبة له أمرا كبيرا، غير أن كل واحد من هؤلاء ينبغي أن يتعامل معه بصفته الشخصية ولا ينبغي تعميم كيفية ذلك التعامل على الجميع، ولا شك -حسب زاغوري- في أن بعض هؤلاء قد يمثل خطرا على المجتمع ولا ينبغي التعامل معه بسذاجة، بل يجب تحييده كليا حتى لا يتمكن من إيذاء غيره.
وتحدث العالم النفساني كذلك عن الدوافع التي يقدمها مجرمون آخرون كمن يقتلون زوجاتهم أو أطفالهم وغير ذلك، في كتاب أصدره مؤخرا تحت عنوان "وحشية الإنسان العادي" نشرته دار أدسيوون دو لوبسرفاتوار.