لوموند ديبلوماتيك: الهجرة.. النقاش المنحاز

MELILLA, SPAIN - MARCH 20: Would-be immigrants queue at the boarding area to receive permits and tickets to travel by ferry to Malaga on March 20, 2014 in Melilla, Spain. Around 500 would-be immigrants entered Melilla on March 17 from Morocco, forcing the Temporary Immigration Centre (CETI) to shelter around four times its capacity, which is 480 people. The army has placed temporary tents outside the Centre to make space while the government has said it plans to send s
تقديرات: في غضون 30 عاما سيكون 20 إلى 25% من سكان أوروبا من أصل أفريقي (غيتي)

نشرت مجلة لوموند ديبلوماتيك الفرنسية تحليلا للكاتب بنوا بريفيل، يعالج فيه ظاهرة الهجرة التي تؤرق أوروبا، منطلقا من واقع القارة العجوز التي توقف نمو سكانها الموغلين في الشيخوخة، والتي تعيش بالضفة المقابلة لها القارة الأفريقية الفتية.

ومن هذا المنطلق ينبع استنتاج الكثيرين بأن تتابع سيل الهجرة من أفريقيا إلى أوروبا حتمي، وبالتالي فلا مناص من اتخاذ أحد موفقين: إما التقوقع التام أو فتح الحدود.

ورغم ذلك يسجل الكاتب أن مستوى الهجرة غير النظامية -الذي ما زال يؤرق بعض الأوروبيين- بلغ حده الأدنى بعد موجة صاحبت الحرب السورية، إذ انخفض من نحو مليون و800 ألف عام 2015 إلى 200 ألف عام 2017، حسب وكالة فرونتكس.

والغريب -حسب الكاتب- أن موضوع الهجرة قد يهيمن على الحملات الانتخابية الأوروبية ربيع 2019، معتقدا أن ذلك ما يسعى إليه الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون ورئيس الوزراء المجري فيكتور أوربان على حد سواء.

يقول أوربان "إن هناك فريقين سياسيين في أوروبا اليوم، على رأسهما ماكرون الذي يدعم الهجرة، ثم إننا نحاول وقف الهجرة غير الشرعية". أما ماكرون فيقول "إن هؤلاء القوميين الذين ينفثون الكراهية هم أعداؤه".

ولئن كان من المنطقي أن يستبشر قادة التيار اليميني المتطرف -الذين صعد نجمهم بالانتخابات الأوروبية الأخيرة في بولونيا والنمسا والمجر، فإن الكاتب يستغرب اعتبار ماكرون مناصرا للهجرة، مستدلا بقانون "الهجرة تحت السيطرة" الذي أصدره ويسلب كثيرا من حقوق المهاجرين.

وفي خضم هذا الصخب، يبدو اليسار الراديكالي ممزقا بين المدافعين عن فتح الحدود وأولئك الذين يريدون القضاء على الهجرة عن طريق معالجة أسبابها. لكن تنمية أفريقيا لا تحل المشكلة بل ستزيد من تدفق النازحين كما يرى البعض.

وقد راجت هذه الفكرة مع شيوع أفكار ستيفان سميث الذي تنبأ باكتساح القارة العجوز من قبل الأفارقة، وروجت ليبراسيون وإذاعة فرنسا الدولية لأفرقة أوروبا بناء على الأرقام والإحصاءات التي قدمها هذا الصحفي.

وفقا لبعض تقديرات الأمم المتحدة سيزيد عدد سكان أفريقيا من 1.2 مليار نسمة عام 2017 إلى 2.5 مليار عام 2050، وحتى 4.4 مليارات عام 2100، وستتطور اقتصاديا وستزداد مداخيل السكان مما يمكنهم من الحصول على الوسائل للذهاب إلى أوروبا.

وتتوقع التقديرات أنه في غضون 30 عاما سيكون 20 إلى 25% من سكان أوروبا من أصل أفريقي، مقابل 1.5 إلى 2% عام 2015.

النمو الاقتصادي
وأول صوت يناهض أفكار سميث جاء من فرانسوا هيوان الأستاذ في كلية دو فرانس الذي ذكر بأن 70% من المهاجرين بقوا في بلدانهم، وهذا الرقم ثابت منذ 1920، كما شكك أيضا في أساليب وبيانات سميث، ويرى هيوان أن القدرة على الهجرة مشروطة بدرجة معينة من النمو ولن تزداد في أفريقيا لأن نموها متباطئ.

ويشترك سميث وهيوان في نفس التشخيص عندما يريان أن نمو أفريقيا لا يحد من الهجرة، وكما يرى الجغرافي ولبير زلينسكي أن البلدان الفقيرة عندما تنمو تزداد نسبة الشباب مما يزيد احتمال الهجرة، ولكن عندما يبلغ البلد درجة متقدمة من النمو تنخفض نسبة النزوح، ويصبح ملاذا جديدا للأجانب.

هذه الصورة تأكدت خلال الأربعين سنة الماضية، حين كانت إيطاليا وإسبانيا واليونان وإيرلندا وكوريا الجنوبية وماليزيا وتايوان بلدانا تنطلق منها الهجرة فأصبحت تتلقى المهاجرين، وهنالك بلدان مثل تركيا والهند والصين والمغرب تتجه نفس الاتجاه.

ولتفسير ظاهرة أن النمو الاقتصادي قد يتسبب في زيادة الهجرة خاصة منطقة جنوب الصحراء الكبرى، طرح الباحثون عدة أسباب منها تخفيف القيود المالية. ويتساءل البعض: لماذا لا يحد النمو الاقتصادي من الهجرة؟ والجواب أن التنمية الاقتصادية ليست لصالح الجميع لأن ارتفاع الإنتاجية الزراعية لم يكن في صالح فئة من الشباب المتعلمة مما يدفعها إلى جهات أخرى لتجرب حظها.

 وقد تحد من الهجرة محاولات دمج التنمية الاقتصادية مع التجارة الحرة، ولكن الخبير الاقتصادي تنبأ بالتأثير المعاكس، وقد أثبتت التجربة أنه على حق لأن عدد المهاجرين غير النظاميين المكسيكيين إلى الولايات المتحدة ارتفع في أقل من 10 سنوات بنسبة 144% من 4.8 ملايين إلى 11.7 مليونا عام 2002.

ولا يتطرق سميث إلى عدم تكافؤ النمو ومنطق السوق وعمليات تراكم رأس المال والاستيلاء على الأراضي من قبل كبار الملاك.

وإذا كانت الدراسات في مجال الهجرة تؤدي في معظمها لنفس النتيجة فذلك راجع إلى أن الدارسين يعتمدون على طريقة واحدة تعتني بدراسة النمو والتطور مهملين العوامل الأخرى كالتبادل والخصخصة ومرونة السوق.

تقسيم الطبقات الشعبية
إن اندفاع عشرات الملايين من الأفارقة بسبب انعدام فرص العمل والحروب وتغيير المناخ أدى لارتفاع الأصوات المطالبة بمزيد من القيود، ومن الوهم الاعتقاد بأننا سنكون قادرين على احتواء تدفق الهجرة في العقود المقبلة، وسيكون اللاجئون الذين غادروا بسبب الحروب والكوارث أكثر عددا.

ومحاولة الحد من الهجرة عن طريق تطبيق نموذج تنموي يجعل من البلدان الفقيرة بلدانا غنية ومستقطبة للمهاجرين قد يكون مثاليا بعض الشيء.

إن الاستياء الذي يلاحظ في البلدان المضيفة ناتج عن سياسات التقشف العام وزعزعة استقرار الحماية الاجتماعية، وإضعاف الخدمات العامة، والخيار السياسي لخلق منافسة الفقراء للفقراء وللعاملين الخاصين النشطين والمتقاعدين.

وهكذا يبدو أن وصول المهاجرين يشكل ضغطا إضافيا على الموارد النادرة مما يعطي الفرصة للمتطرفين لتقسيم الطبقات الشعبية من أمثال اليمينية مارين لوبين رئيسة حزب التجمع الوطني في فرنسا.

كما أنه توجد دعوات لفتح الحدود على مصراعيها، وذلك أيضا لا يشكل حلا، بل الصواب أن نوصل إلى الحكم قوة سياسية محنكة قادرة على تغيير مسار الأشياء.

المصدر : الصحافة الفرنسية