"بن الشيخ" الليبي.. قصة تعذيب لم ترو فصولها

مدونات غوانتانامو
أحد المعتقلين بغوانتانامو بعد جلسة استجواب (رويترز)

كشف موقع ميدل إيست آي النقاب عن تفاصيل ما وصفها بأكبر قصة تعذيب تعرض لها مواطن ليبي على أيدي عملاء الاستخبارات الأميركية والمصرية بمساعدة نظرائهم الأميركيين أثناء احتجازه بمعتقل غوانتانامو ثم بعد ترحيله إلى مصر.

وسبق للموقع أن نشر الثلاثاء الماضي تحقيقا استقصائيا أجراه اثنان من صحفييه ورد فيه أن قصة "بن الشيخ" الليبي -الذي انتُزعت منه معلومات استخباراتية تحت التعذيب واستغلت فيما بعد ذريعة لغزو العراق– شكلت إحراجا لأشخاص متنفذين.

وفي تقرير آخر نشره الموقع حول الموضوع نفسه، قال كليف ستافورد سميث -المحامي بقضايا حقوق الإنسان الدولية- إن الجانب الأحلك في القصة التي انطوت على أسرار تتمثل في أن بعض المعلومات الاستخباراتية التي انتزعت من الليبي استُغلت في تغيير سياسات حكومية، بل وفي اندلاع حرب.

قاعدة باغرام
ونقل سميث عن أحد موكليه من معتقلي غوانتانامو يُدعى شاكر عامر بعض ما يعرفه عن "بن الشيخ". وكان شاكر أسير أحد الأقفاص في قاعدة باغرام الجوية في أفغانستان حيث زُج به في نفس الغرفة التي كان الليبي محتجزا بداخلها.

وهناك، يقول شاكر إنه شاهد أحدهم وهو عميل مخابرات بريطاني -كما يعتقد- كان حاضرا أثناء تعذيب الليبي.

وبُعيد ذلك، وتحديدا مطلع عام 2002، رأى شاكر تابوتاً يُنقل خارج المعتقل تبين بعدها أن الليبي كان بداخله وهو على قيد الحياة، وفي الطريق إلى مصر حيث ترك الأميركيون رجال الرئيس حسني مبارك يتكفلون بالقيام "بالأعمال القذرة" باستخدام آلة صعق المواشي بالكهرباء.

أسلحة الدمار الشامل
ولم يكن مفاجئا -بحسب المحامي سميث- أن قال الليبي ما أراد الأميركيون سماعه منه وهو أن الرئيس العراقي آنذاك صدام حسين يتآمر سرا مع تنظيم القاعدة

وذكر المحامي في مقال بالصحيفة أنه نقل بعد ذلك عن وثيقة رُفعت عنها السرية أن سجينا في غوانتانامو -تعرض هو الآخر للتعذيب- قال لعملاء المخابرات إن صدام يعكف على تطوير أسلحة دمار شامل.

غير أن بعض عملاء وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية (سي آي أي) ارتابوا في ما أفصح به "بن الشيخ" الليبي من معلومات، إلا أن ذلك لم يردع الرئيس السابق جورج دبليو بوش من الاعتماد عليها في خطاب ألقاه في أكتوبر/تشرين الأول 2002، كما لم يحل دون تقديم وزير خارجيته كولن باول عرضه "المعيب" أمام مجلس الأمن التابع لـ الأمم المتحدة في فبراير/شباط 2003.

وهكذا فإن معلومات استخباراتية "كاذبة" انتُزعت تحت التعذيب لم تجعل الليبي حبيس أسره فحسب، بل كان لها وزنها في قرار غزو العراق في وقت لاحق من ذلك العام.

وكلنا يعلم الكارثة التي وقعت بعد ذلك -كما يقول سميث- متسائلا: لكن ما الذي حدث لضحية التعذيب؟ ويضيف أنه خلال السنوات الخمس التي أعقبت هجمات 11 سبتمبر/أيلول 2001 سعى لتتبع ما جرى لبعضٍ من أشهر من اعتُقلوا في خضم "الحرب على الإرهاب".

سجون أميركية سرية
يقول سميث إن شائعات كانت قد سرت تفيد بأن 760 من معتقلي غوانتانامو أودعوا سجونا أميركية سرية منتشرة في أماكن عديدة ما بين المغرب حتى بولندا.

وفي سبتمبر/أيلول 2006، ظهر عدد من المعتقلين الأكثر شهرة بمعتقل غوانتانامو في كوبا -من بينهم خالد شيخ محمد الذي يُعتقد أنه العقل المدبر للهجوم على مركز التجارة العالمية في نيويورك. وكان الغائب الأبرز من بين الواصلين الجدد إلى المعتقل "بن الشيخ" الليبي.

وقد نما إلى علم الصحيفة لاحقاً أن "بن الشيخ" أُعيد إلى ليبيا حيث تعرض لمزيد من سوء المعاملات.

في تابوت إلى ليبيا
يقول المحامي سميث في مقاله إنه اطلع على رسائل من وإلى "بن الشيخ" فما كان من القذافي بعد أن تكشفت تفاصيل قصص التعذيب تلك أن صرح بأن الليبي "أقدم على الانتحار".

يضيف سميث أن رواية الانتحار تلك لن يصدقها سوى مراقب ساذج، فالحقيقة أن "بن الشيخ" وُضع في تابوت ثم إلى مثواه الأخير في قبر حقيقي.

واتضح فيما بعد أن الولايات المتحدة أخطأت في كثير من الحالات، لا سيما حين زعمت أن "بن الشيخ" يدير معسكر تدريب للقاعدة بأفغانستان علما بأن الرجل لم يكن من مؤيدي "حملة أسامة بن لادن الإرهابية" في أرجاء العالم، إذ كان هدفه تحرير بلده من قبضة القذافي.

وفي حين أبدى البريطانيون أحيانا امتعاضهم ورفضهم للتعذيب وتسليم المعتقلين لدول أخرى -كما كانت تفعل الولايات المتحدة- فإن المعلومات التي أُميط عنها اللثام مؤخرا بشأن المعاملة التي تعرض لها الليبي "تدق مسمارا آخر في نعش" الفرية البريطانية.

فالبريطانيون -بحسب سميث- كانوا على علم تام بما يجري حينها، بل إنهم سعوا إلى "الاستفادة" منها بتزويد المحققين الأميركيين بأسئلة لتوجيهها لـ "بن الشيخ" في سجنه.

المصدر : فورين بوليسي