اللاجئون السوريون ثروة غير متوقعة لاقتصاد لبنان

الموسوعة - epa03955513 A general view of Syrian refugee camp in Arsal village near Syrian border, in Lebanon, 18 November 2013. About two thousands of Syrian refugees have poured into Lebanon during the past days as fighting between Syrian army forces and rebels have flared near the Lebanese border. EPA/STR
مخيمات للاجئين سوريين في عرسال (أسوشيتد برس)
 

بعيدا عن الخطابات الديماغوجية، على الداعين إلى رحيل اللاجئين السوريين من لبنان أن يدركوا أن ضرر مغادرتهم أكثر من نفعها، وأنهم اليوم -أكثر من أي وقت مضى- جزء أساسي من اقتصاد لبنان الهش، حسب ما جاء في صحيفة فرنسية.

في بداية مقالها بصحيفة "أوريان 21" قالت الكاتبة روزالي برتيي إن لبنان باستيعابه لهذا العدد الكبير من اللاجئين الذين يمثلون اليوم ربع سكانه، وذلك رغم اقتصاده الصغير وإمكاناته المحدودة؛ يستحق الإشادة والمساعدة.

اقتصاد اللاجئين
صحيح أن هذا التدفق الهائل للاجئين السوريين مثّل مصدر ضغط في مجالات الأمن والإدارة والتعليم والنقل والخدمات كتوفير الماء والكهرباء.. إلخ، حسب قولها.

لكن السياسيين اللبنانيين جعلوا من هذا الوجود السوري كبش فداء يلقون عليه باللوم في جميع المشاكل الاجتماعية والاقتصادية لبلدهم، ولا سيما ركود الاقتصاد وتدهور البنى التحتية العامة، وهو ما اعتبرته برتيي منافيا للحقيقة على الأقل من وجهين:

أولا- لم يتسبب وصول أكثر من مليون لاجئ سوري إلى لبنان منذ العام 2011 في بزوغ مشاكل جديدة بقدر ما فاقم مشاكل كانت موجودة أصلا نتيجة عقود من الحكم السيئ والسياسة الاقتصادية الفوضوية.

ثانيا- يميل هؤلاء السياسيون إلى المبالغة في التأثير السلبي لوجود اللاجئين وإخفاء جوانب هذا الوجود الإيجابية.

وثمة غموض بشأن عدد اللاجئين السوريين في لبنان، وإن كانت المفوضية العليا للاجئين قدرت عددهم بمليون نسمة في أكتوبر/تشرين الأول 2017، فإن الحكومة اللبنانية تقول إنهم يتجاوزون 1.5 مليون.

ومع اقتراب موعد الانتخابات العامة اللبنانية، بدأ السياسيون يطالبون بعودة اللاجئين السوريين إلى بلادهم. وفي مثل هذا المناخ المتوتر، أصبح من الصعب -ولكن أيضا من الضروري على نحو متزايد- دراسة ما أصبح يعرف "باقتصاد اللاجئين".

وحذرت الكاتبة من الخلط بين تأثير الحرب السورية على الاقتصاد اللبناني الذي كان بليغا للغاية وبين تأثير اللاجئين السوريين.

ونقلت في هذا الإطار عن البنك الدولي تقديره لخسارة الاقتصاد اللبناني بسبب هذا النزاع المسلح؛ بأنها بلغت 18 مليار دولار حثى نهاية العام 2015، مؤكدة أن هذه الخسارة ليست بسبب اللاجئين وإنما هي عواقب اقتصادية أوسع للحرب، فالصراع أصاب الصادرات اللبنانية في مقتل، خصوصا أنه جعل من المستحيل نقل البضائع اللبنانية برا إلى شبه الجزيرة العربية.

وبشكل غير مباشر، أدى الصراع إلى تعطيل مختلف سلاسل القيمة التي ربطت الأسواق اللبنانية والسورية، إذ انخفضت واردات المنتجات الصناعية السورية الرخيصة نسبيا انخفاضا حادا بعد عام 2011، مما أجبر المنتجين اللبنانيين إلى البحث عن أسواق بديلة للمواد الخام. هذا فضلا عن تأثير هذا الصراع غير المباشر على السياحة في لبنان.

‪لاجئون سوريون في لبنان‬ (الجزيرة-أرشيف)
‪لاجئون سوريون في لبنان‬ (الجزيرة-أرشيف)

تضخيم وتجاهل
ولا يمكن تسوية أي من هذه الأمور عبر مجرد عودة اللاجئين إلى بلدهم، بل إن أي تقدم سيعتمد على تسوية الصراع السوري وعلى الانتعاش الاقتصادي المحلي الذي لم يتحقق بعد، على حد تعبير برتيي.

لكن الكاتبة أقرت بأن اللاجئين السوريين أثروا بالفعل على سوق العمل، إذ وفروا يدا عاملة متخصصة رخيصة نسبيا، مما جعل رواتب اللبنانيين العاملين في مناطق تواجد اللاجئين تنخفض إلى النصف في بعض الأحيان. لكنها لفتت إلى أن ثمة واقعا آخر مهما ينبغي أخذه في الاعتبار، وهو أن سوق العمل اللبنانية لم تكن على ما يرام حتى قبل اندلاع الصراع السوري.

ويصاحب تضخيمَ الآثار السلبية لتدفق اللاجئين السوريين إلى لبنان، تجاهل تام للآثار الإيجابية لهذا التدفق الذي كان له أثر مهم على تحفيز الاقتصاد اللبناني، فلو أخذنا مثلا قطاع الاتصالات اللبناني نجد أنه سجل نموا في الاشتراكات التي تضاعفت ثلاث مرات بين عامي 2011 و2015، وهي نقطة هامة بالنظر إلى أن الضرائب المفروضة على شركات تقنية المعلومات والاتصالات مصدر رئيسي لإيرادات ميزانيات البلديات اللبنانية. هذا فضلا عما وفرته المساعدات الإنسانية من عملات أجنبية في اقتصاد لبنان وما قدمته عدة بلدان ومنظمات كدعم ثنائي للميزانية اللبنانية لمساعدة هذا البلد على مواجهة الأزمة.

وبعد هذا العرض، حذرت الكاتبة من أن طرد السوريين بشكل جماعي سيحرم لبنان في نهاية المطاف من الدعم الذي يحتاجه وهو يواجه أصلا وضعا غير مستقر هو وحده المسؤول عنه، وستتوجه مساعدات المانحين والخدمات التي تقدمها إلى المناطق التي سيصبح فيها السوريون، ويمكن أن يؤدي انخفاض رأس المال إلى خلق تحديات مالية جديدة للبلاد.

كما أن رحيلهم المفاجئ سيمثل -حسب الكاتبة- صدمة لسوق العقارات، مما قد يهدد هذا القطاع والاستقرار المالي للبنان ككل. وعليه، فإن على لبنان أن يكبح جماح المنادين بالطرد الجماعي للسوريين، إذ إنهم يجازفون بذلك بتعريض لبنان لأزمة اقتصادية أعمق مما يفترض أن يكون اللاجئون قد سببوه لهذا البلد، على حد تعبيرها.

المصدر : الصحافة الفرنسية