الإصلاح مطلوب بالعراق كي لا يعود تنظيم الدولة

People run in panic after a coalition airstrike hit Islamic State fighters positions in Tahrir neighbourhood of Mosul, Iraq, November 17, 2016. Goran Tomasevic:
أجواء الرعب عقب قصف طيران التحالف الدولي مواقع لتنظيم الدولة في حي التحرير بالموصل (رويترز)
حذرت مجلة ذي ناشونال إنترست الأميركية من احتمالات عودة تنظيم الدولة الإسلامية للسيطرة على العراق، إذا لم يبادر السياسيون العراقيون إلى القيام بإجراء الإصلاحات الضرورية وإنصاف أهل السنة وقتل الطائفية في مهدها.

 
فقد قالت المجلة بمقال للكاتب دانييل ديبيتريس إن على رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي القيام بإصلاحات تكون قادرة على منع قوات الأمن العراقية من ارتكاب فظائع.

 
وقالت إن استعادة مدينة الموصل من سيطرة تنظيم الدولة تعتبر متنفسا نقيا بالنسبة للعراقيين من جميع الانتماءات العرقية والطائفية، بعدما اعتاد العراق على الأخبار السيئة على مدى السنوات الـ14الماضية.

 
وأشارت المجلة الأميركية إلى أن القوات العراقية تمكنت بدعم من التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة، من حصر مقاتلي تنظيم الدولة في جيب صغير على طول نهر دجلة في المدينة القديمة من الموصل، وذلك بعد نحو تسعة أشهر من الحرب الوحشية والقتال من منزل إلى آخر، وهو ما أتاح الفرصة للعراقيين للاحتفال.

واستدركت بالقول إن الحكومة العراقية -بالرغم من هذا الانتصار والمزاج الاحتفالي الذي يغلف بغداد– سرعان ما بددت أي مظاهر لنوايا حسنة بالنسبة للعراقيين السنة.

‪أحد أفراد القوات العراقية يطلق قذائف مدفعية أثناء الاشتباك مع تنظيم الدولة قرب الفلوجة منتصف 2016‬ (رويترز)
‪أحد أفراد القوات العراقية يطلق قذائف مدفعية أثناء الاشتباك مع تنظيم الدولة قرب الفلوجة منتصف 2016‬ (رويترز)
انتقام وسفك دماء
وأوضحت المجلة أنه بدلا من سعي الحكومة العراقية ذات الأغلبية الشيعية للقيام بالمصالحة والإدماج وإعادة البناء التي تعتبر عوامل ضرورية وبالغة الأهمية بالنسبة للبنية التحتية للموصل، وللتقريب بين الطائفتين؛ فإن الحكومة استبدلت هذه العوامل كلها بالانتقام وسفك الدماء وتصفية الحسابات، وهي ذات الظروف التي ساعدت على نجاح تنظيم الدولة في العراق في المقام الأول.

وأضافت أن عمليات ارتكاب قوات الأمن العراقية أو المليشيات الموالية للحكومة انتهاكات لحقوق الإنسان، أو قيامها بالاحتجاز غير القانوني لسكان الموصل أو القتل خارج نطاق القانون بحق محتجزين أو متعاطفين مع تنظيم الدولة؛ أصبحت كلها مظاهر سائدة، وذلك سواء أثناء معركة الموصل أو بعد استعادة السيطرة عليها.

وأشارت إلى أن منظمة هيومان رايتس ووتش وثّقت العديد من الحالات التي تقوم قوات الأمن العراقية من خلالها باعتقال الرجال والفتيان عشوائيا من وسط الحشود عند الحواجز أو نقاط التفتيش، وتقوم بضربهم ضربا وحشيا قبل نقلهم إلى قواعد أو معسكرات مؤقتة.

وأضافت المجلة أن شهود عيان أخبروا المنظمة أن بعض هؤلاء المعتقلين لقوا حتفهم في هذه المعسكرات، وأشارت إلى تعرض المزيد منهم للتعذيب أثناء الاستجواب.

وقالت إن شهود العيان العراقيين والضحايا وصفوا كيفية محاصرة قوات الأمن العراقية أفراد عائلات تنظيم الدولة، واقتيادهم إلى مراكز إعادة التأهيل واحتجازهم رغما عنهم.

‪قافلة لمقاتلي تنظيم الدولة تنتشر في منطقة الأنبار غربي العراق منتصف 2014‬  (أسوشيتد برس)
‪قافلة لمقاتلي تنظيم الدولة تنتشر في منطقة الأنبار غربي العراق منتصف 2014‬ (أسوشيتد برس)
تنظيم الدولة
وأشارت ذي ناشونال إنترست إلى تقرير فيدو يظهر أفرادا من الجيش العراقي وهم يلقون اثنين من مقاتلي تنظيم الدولة من على حافة هاوية إلى الأسفل، وتحدثت عن سلسلة من عمليات الإساءة والتعذيب التي تقوم بها القوات العراقية أو المليشيات التابعة لها بحق معتقلين قبل إعدامهم، وسط استمرار سيطرة أجواء الكراهية والانتقام التي تحوم فوق العراق.

وقالت إن وقف ارتكاب القوات العراقية لهذه الانتهاكات لا يعتبر مجرد ضرورة ملحّة لأجل احترام حقوق الإنسان والقانون الدولي، بل إنه يعتبر أيضا ضرورة إستراتيجية إذا أراد العراق أن يتخلص من الطائفية التي أخضعت العراقيين للعنف المروع على مدار سنوات.

 
وأضافت المجلة أن مثل هذه التجاوزات التي تمارسها القوات الحكومية وتتجاهلها القيادات العليا في الجيش أو الحكومة، هو ما جعل مجموعة من الجهاديين -ممثلين في تنظيم الدولة- تتمكن من الانقضاض على شمال العراق وغربه منتصف 2014 وتلحق الهزيمة بجيش مجهز.

 
وقالت إن السنة من أهالي الموصل وتكريت والرمادي والفلوجة وغيرها لم يرحبوا بقوافل مقاتلي تنظيم الدولة قبل نحو ثلاث سنوات حُبا بهم، ولكنهم فعلوا ذلك بسبب ما لحق بهم من الإهانة والظلم والويل جراء الفساد واليد الثقيلة للقوات الأمنية العراقية، وبسبب تعرضهم للجور والطرد من مناطقهم.

وخلصت المجلة إلى أن الحكومة العراقية إذا لم تكن ترغب في أن تشاهد هذا المشهد نفسه مرة أخرى، أو أن ترى تنظيم الدولة يعود مجددا للسيطرة على العراق في وقت ليس بالبعيد؛ فإن الجدير بها الإسراع إلى دفن هذه الانتهاكات والممارسات القمعية ضد السنة في مهدها.

واستطردت أنه يجدر بالعبادي المبادرة إلى إجراء إصلاحات سياسية ومؤسسية يكون من شأنها منع قوات الأمن من ارتكاب الفظائع، ومقاضاة ومحاكمة الأفراد على جرائم الحرب التي ارتكبوها، وطرد القادة والجنرالات الذين يشجعون على هذه الانتهاكات أو يفشلون في التحقيق فيها، وإلى توجيه الاتهام للوزراء وموظفي الوزارات الذين يخترقون القانون أو يستغلون مناصبهم لأغراض الفساد.

 
وقالت إنه إذا أُريد للموصل والعراق أن يتعافيا من آثار تنظيم الدولة، ويبدآ الطريق الصعب الطويل نحو إعادة البناء الاجتماعي والسياسي والمادي الملموس للبلاد، فإنه يجب على السياسيين العراقيين أنفسهم البدء بعملية الإنعاش.

 
وأشارت المجلة إلى أنه لا أحد آخر غير السياسيين العراقيين قادر على القيام بهذه العملية، لا الولايات المتحدة ولا الاتحاد الأوروبي ولا الجامعة العربية ولا الأمم المتحدة.
المصدر : الجزيرة + الصحافة الأميركية