فورين أفيرز: قضايا الهوية تباعد بين الهند وإسرائيل

Indian Prime Minister Narendra Modi stands next to Israeli Prime Minister Benjamin Netanyahu during a farewell ceremony upon Modi's departure from Israel at Ben Gurion International Airport, near Tel Aviv, Israel July 6, 2017. REUTERS/Amir Cohen
مودي (يمين) ونتنياهو لدى وداع الأول بمطار بن غوريون الإسرائيلي الشهر الجاري (رويترز)

ذكرت مجلة فورين أفيرز الأميركية أن العلاقة بين الهند وإسرائيل تُعتبر من أغرب الشراكات بين الدول، وأن زيارة رئيس وزراء الهند ناريندرا مودي الأخيرة لإسرائيل ليست مؤشرا على تحوّل مقبل في العلاقات بين البلدين.

وأوضحت المجلة في مقال كتبه مانجاري كاترجي وميشال بن-جوزيف هيرش أن تجارب الهيمنة الاستعمارية البريطانية ومرارة تقسيم الهند ولّدت لدى كثير من قادة استقلال البلاد نزوعا قويا ضد الاستعمار وكراهية للقومية الدينية ورغبة في إظهار الهند دولة علمانية وقوة معادية للاستعمار، الأمر الذي يفسر النظرة السلبية لقادة الهند حتى اليوم للقومية اليهودية، رغم تعاطفهم مع ضحايا النازية من اليهود.

وأشار المقال إلى أن قادة استقلال الهند اعتبروا الصهيونية قوة استعمارية ومشروعا قوميا دينيا، وعارضوا علنا سياسات إسرائيل تجاه الفلسطينيين، وعبروا عن تعاطف كبير مع الفلسطينيين في محنتهم بفقدان أرضهم عقب انهيار الاستعمار البريطاني، لافتا الانتباه إلى أن مؤسس دولة الهند جواهر لال نهرو وصف الصهيونية بأنها "ربيبة الاستعمار البريطاني".

وساهمت الهند كثيرا عندما قادت دول عدم الانحياز في الستينيات في تبني تلك الحركة رسميا القضية الفلسطينية. ولم يتغيّر موقف الهند حتى بعد أن قدمت الدول العربية دعما سياسيا وعسكريا لـ باكستان، بينما قدمت إسرائيل بعض الدعم العسكري للهند في حروبها ضد باكستان في 1962، و1965، 1971.

هويات متعارضة
وشدد المقال على أن الهند ترى أن هويتها مناقضة لهوية إسرائيل، وتعتبر إسرائيل كيانا استعماريا وقوميا دينيا.

أما إسرائيل فهي شغوفة بإقامة علاقة مع الهند وترى أن إدراكها لهويتها وللهوية الهندية لا يختلف عن إدراك الهنود. ولا يرى المسؤولون الإسرائيليون، كما ترى الهند، أن الصهيونية والاستعمار مرتبطان تماما. فالإسرائيليون يميلون إلى عدم الاهتمام بالمواقف الأيديولوجية للهند أو التزاماتها المعادية للاستعمار.

إذا كان للهند وإسرائيل أن تصبحا شريكتين إستراتيجيتين حقيقيتين فلابد لحساسيات الهوية المذكورة أن تتبدد، وإلا فإن ما يُسمى ببداية جديدة في العلاقات الثنائية افتتحتها زيارة مودي الأخيرة، ستصبح مثل البداية الجديدة لهذه العلاقات في 1992، أكثر قليلا من علاقات مريحة لبيع وشراء السلاح

وأقامت الهند علاقات مع إسرائيل بعد نهاية الحرب الباردة في 1992 لأول مرة لأنها كانت تسعى للحصول على أسلحة من إسرائيل وفقدت الدعم من الدول العربية، لكن ومع ذلك ظلت قضايا الهوية تلعب دورا.

وخلال السنوات التي أعقبت نهاية الحرب الباردة، استمرت إسرائيل في إساءة فهم اعتناء الهند بأهمية الهوية، وكان خبراء السياسة الإسرائيليون يركزون فقط على المصالح المادية (المرتبطة بالدفاع في الغالب) وعملوا على جر البلدين إلى علاقة براغماتية. وتسبب ذلك، في بعض الأحيان، في سلوك لا يتسم بالحساسية للروابط المتبادلة (صورت شركة رافائيل الإسرائيلية للتصنيع العسكري في فيديو أصدرته في 2009 إسرائيل كحامية للهند).

ليست علاقة صداقة
وأوضحت المجلة أن قضايا الهوية والتاريخ تقف عائقا أمام تطور هذه العلاقة إلى علاقة صداقة وتعاون سياسي، وأن زيارة مودي لم تستطع، بخلاف الاتفاق على بيع أسلحة إسرائيلية للهند بأربعة مليارات دولار، التركيز إلا على التعاون المدني في مجالات مثل إدارة المياه والزراعة، ولم يتضمن البيان المشترك الصادر عنها التزاما بالتعاون حول "الإرهاب"، رغم تأكيده أهمية مواجهة التهديدات "الإرهابية".

وتساعد هذه النظرة في معرفة السبب وراء فشل العلاقات بين البلدين في الوصول خلال سنوات طويلة إلى أقصى ما يمكن. ففي عام 2012، على سبيل المثال، رفضت الهند طلبا إسرائيليا للسماح لوزير الدفاع الإسرائيلي إيهود باراك لحضور معرض ترعاه إسرائيل في نيودلهي. ودأبت الهند على التصويت ضد إسرائيل في الجمعية العامة للأمم المتحدة، إذ صوتت مرة واحدة في الفترة ما بين 1992 و2012 لصالح إسرائيل من جملة 266 قرارا ذي صلة.

الهندي القومي المعادي للمسلمين
ولقليل من الشركات الهندية استثمارات بإسرائيل. ويعزو المسؤولون الهنود ذلك إلى صغر السوق الإسرائيلية، لكنهم يقولون أيضا إن رجال الأعمال الهنود يميلون إلى تجنب الاستثمار في إسرائيل بسبب التكلفة السياسية لتعقيدات الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي. كما أنه وبعد ثمانية أعوام من المفاوضات، وحتى بعد زيارة القومي الهندي المعادي للمسلمين ناريندرا مودي، لم يتقدم البلدان كثيرا في مفاوضات لاتفاق حول تحرير التجارة بينهما.

ولفت المقال إلى أن الهند لا تزال تحتفظ بعلاقات قوية بـ إيران، الخصم الكبير لإسرائيل، مشيرة إلى أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو كان يقظا إلى هذا الجانب مع مودي.

ولم تتناول زيارة مودي بوضوح القضايا الإستراتيجية الإقليمية، خاصة قضايا جيران إسرائيل، ربما بسبب حرص رئيس الوزراء الهندي على صورة بلاده في الشرق الأوسط الأوسع. فهذه المنطقة هي مصدر الهند الرئيسي للحصول على النفط والغاز، كما أنها تستضيف 7.3 ملايين من مواطنيها.

وزيارة مودي التي كان مخططا لها أن تكون في 2014، تأخرت بسبب كل هذه الحساسيات. وحتى تتوازن هذه الزيارة، دعت الهند رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس في مايو/أيار الماضي لزيارتها حيث جاء في بيان مشترك تأكيد الدعم السياسي الهندي للقضية الفلسطينية.

واختتم الكاتبان مقالهما الطويل الغني بالكثير من المعلومات والوقائع قائلين إذا تقاربت الهند وإسرائيل فسيزيد ذلك من احتمال حدوث "المستحيل" بتعاون ثلاثي بين الهند وإسرائيل والولايات المتحدة يضع الهند وسيطا نزيها لعملية سلام الشرق الأوسط. وإذا كان للهند وإسرائيل أن تصبحا شريكتين إستراتيجيتين حقيقيتين فلابد لحساسيات الهوية المذكورة أن تتبدد، وإلا فإن ما يُسمى ببداية جديدة في العلاقات الثنائية افتتحتها زيارة مودي ستصبح مثل البداية الجديدة لهذه العلاقات منذ أن بدأت في 1992، أكثر قليلا من علاقات مريحة لبيع وشراء السلاح.

المصدر : فورين أفيرز