لوفيغارو تحذر من السياسة السعودية المرتجلة

Saudi Arabia's Deputy Crown Prince and Defense Minister Mohammed bin Salman (2nd L) takes his seat to meet with U.S. Defense Secretary James Mattis and his delegation in Riyadh, Saudi Arabia April 19, 2017. REUTERS/Jonathan Ernst
هل ابن سلمان بطرس الأكبر أم تشارلز الثاني عشر؟ (رويترز)
هل أصبحت السياسة السعودية مبنية على "الارتجال"؟ وهل دفعت الحرب الباردة بين المملكة وإيران ولي العهد السعودي محمد بن سلمان إلى اتخاذ خطوات متهورة سيكون لها ما بعدها؟

للحديث عن هذه المسألة طرح رينو جيرار عدة أسئلة في بداية عموده بصحيفة لوفيغارو وقال: هل ابن سلمان قيصر روسيا بطرس الأكبر؟ أم هو بكل بساطة إمبراطور السويد تشارلز الثاني عشر؟ يعني هل سينجح ابن سلمان في تحديث بلده وزيادة مجال نفوذه الإقليمي كما فعل الأول (قيصر روسيا من العام 1694 إلى 1725) أم إن حكمه سيغرق في مغامرات أجنبية فاشلة كما كانت حال الثاني الذي حكم السويد ما بين العامين 1697 و1718؟

وللرد على هذه الأسئلة يعطي الكاتب إطلالة على السياستين الداخلية والخارجية لابن سلمان، فيلفت إلى أنه يسعى لتحقيق تحول اجتماعي واقتصادي كامل في بلاده، التي تعتبر أكبر مملكة نفطية في الخليج العربي والعضو العربي الوحيد في مجموعة العشرين.

ويقول إن ابن سلمان يرجع سبب جنوح الحركات الإسلامية في الشرق الأوسط -بما في ذلك بلاده- إلى محاولات هذه الحركات محاكاة الثورة الإسلامية الإيرانية التي جرت في العام 1979، ولذلك فهو ينوي على المستوى الديني إعادة المجتمع السعودي إلى "الإسلام المعتدل والانفتاح على العالم والأديان الأخرى" متجاوزا بذلك الجذور الوهابية التي يقوم عليها النظام السعودي.

أما رؤيته الاقتصادية فيعتمد فيها على توصيات الشركات الاستشارية الأميركية، ويسعى إلى تنويع الإنتاج وتطوير الخدمات الرقمية والطاقات المتجددة والسياحة.

غير أن نجاحه الوحيد على المستوى الخارجي -حسب جيرار- هو أنه تمكن من المحافظة على الميثاق الإستراتيجي الذي يربط بلاده بالولايات المتحدة الأميركية، وهو ما يعلق الكاتب عليه بقوله "لكن ما فائدة التحالف عسكريا مع الأميركيين؟" وللإجابة على هذا السؤال يرد الكاتب بتهكم "سلوا الفيتناميين الجنوبيين عام 1975" في إشارة إلى تخلي أميركا عنهم.

فالدبلوماسية -حسب الكاتب- مجال يتطلب الحكمة والحنكة واللباقة والخبرة والثقافة التاريخية وفهم دوافع الدول المنافسة، وهو ما يشكك جرار في تميز ابن سلمان به، إذ يقول "لكن على المستوى الخارجي يبدو أن كل شيء يتم كما لو كان ابن سلمان متهورا واندفاعيا.

بعد ذلك يعدد الكاتب أهم المغامرات السياسية لابن سلمان منذ أن أصبح وزيرا للدفاع أي بعد تولي والده الملك سلمان بن عبد العزيز الحكم في السعودية.

ويركز في هذا الشأن على مغامرته في اليمن التي "لم تنجح إلا في خلق أزمة إنسانية لم يسبق لها مثيل"، كما أقدم على مغامرة خارجية أخرى عديمة الفائدة عندما فرض حصارا على دولة قطر مما كانت له نتائج عكسية، إذ دمر مجلس التعاون الخليجي دون أن ينجح في إخضاع الإمارة الصغيرة التي عززت دفاعاتها بقوات تركية.

لوباريزيان: إرغام رئيس وزراء دولة ذات سيادة على الاستقالة يظهر محدودية تفكير ابن سلمان الإستراتيجي (رويترز)
لوباريزيان: إرغام رئيس وزراء دولة ذات سيادة على الاستقالة يظهر محدودية تفكير ابن سلمان الإستراتيجي (رويترز)

التهور السعودي
ويتفق المدير المساعد للمعهد الفرنسي للعلاقات الخارجية والإستراتيجية ديديي بيليون مع هذا الطرح إذ يقول في مقابلة له مع صحيفة لوباريزيان إن قضية اعتقال رئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري تظهر مدى "تهور ولي العهد السعودي"، مشيرا إلى أن إرغام رئيس وزراء دولة ذات سيادة على الاستقالة يظهر محدودية تفكير ابن سلمان الإستراتيجي.

ويضيف أن ابن سلمان أخطأ في تقديره وحساباته عندما اعتقد أن الولايات المتحدة ستؤيد خطوته، لكن واشنطن لا تتماهى مع رئيسها دونالد ترمب.

وهنا يذكّر المحلل بموقف واشنطن عندما فرضت الرياض حصارا على قطر في يونيو/حزيران الماضي أشاد به دونالد ترامب، لكن فقط قبل أن يذكره مستشاروه على الفور بأن قطر هي موطن القيادة المركزية للقوات الجوية الأميركية مع عشرة آلاف جندي.

ويرى بيليون أن ابن سلمان يريد أن يفرض نفسه بقوة وبسرعة وهو ما دفعه لعملية التطهير التي اعتقل فيها الأمراء والوزراء، لكنه ارتكب خطأ عندما صاحب هذا التطهير باعتقال الحريري أي أنه فتح لنفسه ملفين غير مرتبطين مباشرة، لكنهما معقدين وليس من السهل تسييرهما في آن واحد، مما يستدعي الانتباه، على حد تعبيره.

وفي نفس الموضوع ختم الكاتب الصحفي المرموق آلين غريش مقالا له بصحيفة أوريان 21 حول استقالة الحريري بعدد من الأسئلة ستمثل إجاباتها توضيحا لمآل هذه الأزمة:

ما هي الخطوات التالية للسعودية؟ ما الذي ستقوم به القوى العظمى الأجنبية وخصوصا أميركا وروسيا ذات النفوذ بسوريا؟ ما الذي ستفعله فرنسا، القلقة على مصير لبنان والتي تحاول لعب دور الوسيط؟ لكن السؤال الذي يطرحه الجميع الآن هو أين ستتحطم طائرة لبنان التي قال الكاتب بيتر هارلينغ في عمود له بصحيفة لوموند إن قبطانها قد قفز بمظلة وتركها تترنح؟

المصدر : الصحافة الفرنسية