أوروبا تصل متأخرة إلى الساحل
ينتقد برنار كوشنر وميغيل أنخيل موراتينوس -وزيرا خارجية فرنسا وإسبانيا سابقا- في مقال لهما نشرته صحيفة "إل باييس" ما يعتبرانه تأخر أوروبا في الاهتمام بمنطقة الساحل بأفريقيا، واصفيْن التدخل العسكري الفرنسي في شمال مالي بـ"الشرعي والصائب".
ويصف المسؤولان السابقان -في مقالهما الذي جاء بعنوان "أوروبا تصل متأخرة إلى الساحل"- كيف أن مدريد وباريس اقترحتا منذ أكثر من ثلاث سنوات إستراتيجية أوروبية تجاه هذه المنطقة، وذلك يوم كانتا تعانيان بشكل مباشر تهديد وابتزاز القاعدة في المغرب الإسلامي التي كانت -وهي لا تزال ناشئة- تختطف مواطنين وتباشر عمليات لزعزعة الاستقرار في الساحل.
غير أنه لا التدخل الفرنسي ومبرراته المقنعة ولا الدعم الصارم له من إسبانيا مكنا حينها من إقناع الشركاء الأوروبيين، فكان مصير الوثيقة التي أعدها البلدان "أن تنام بهدوء في أدراج البيروقراطية الأوروبية".
إستراتيجية متأخرة
ويقول المسؤولان إنه كان يلزم انتظار شهر مارس/آذار 2012 لكي يقر مجلس الشؤون الخارجية الأوروبي -على نحو استعجالي- الإستراتيجية التي اقترحها البلدان. وقبل هذا كانت حجج البلدين حول "التهديد الإرهابي الممتد من أفغانستان إلى المحيط الأطلسي"، لا تقنع دول الاتحاد التي كانت على ما يبدو "تجهل هذه التهديدات، وتعتبر أن التحديات الأمنية الكبرى أمام أوروبا تأتي -كما جرت العادة دائما- من الشرق".
وجاء التأخر في إقرار إستراتيجية للتعامل مع التحديات القادمة من الجنوب "الذي ينظر إليه بوصفه حديقة خلفية لأوروبا"، رغم أن بلدان شمال وشرق أوروبا وضعت إستراتيجيات بشأن القوقاز وآسيا الوسطى والبلقان.
ويرى كوشنر وموراتينوس أن الأحداث الجارية في الساحل باتت في الوقت الراهن مصدر قلق بالغ بأوروبا، وتمكن ملاحظة مدى انعكاسها حين يؤجل رئيس الوزراء البريطاني ديفد كاميرون خطابه المهم حول مستقبل المملكة المتحدة ليتحدث عن الجنوب، لأن "المصالح البريطانية" تعرضت لأضرار خطيرة.
قرار صائب
وبعد "حصيلة القتلى الثقيلة والمعاناة التي نتجت عن احتجاز الرهائن في عين أميناس بالجزائر، تبدّى بجلاء أكبر النفاق وضعف التضامن الذي أظهره الأوروبيون -بشكل عام- مع القرار الصائب الذي اتخذه الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند، حين اختار وضع حد لتوسع القوى الإسلامية في شمال مالي".
ذلك أن أوروبا بدأت تستيقظ وتفهم ما هي التحديات الحقيقية التي يمثلها الساحل، وهي: تحديات أمنية، لا فقط لكونها تمس بشكل مباشر حياة المواطنين الأوروبيين، بل لكون كل المنطقة قد تتحول إلى حالة من الاضطراب الدائم. وتحديات تتعلق بمفاقمة حالة الاستقطاب بين الإسلام والغرب، فضلا عن التحديات الاقتصادية والمالية، لأن الساحل يظل منطقة غنية بالمواد الأولية ومنتجات الطاقة التي -إذا ما أحسن تسييرها- يمكن أن تضمن رخاء دولها وشعوبها.
ووفق مقالة المسؤوليْن السابقين، فإنه يجب أن يتيح الوضع الراهن استخلاص بعض الدروس التي تتراوح ما بين إعادة صياغة عاجلة للإستراتيجية الأمنية الأوروبية، ووضع هذه المنطقة على سلم الأولويات. كما يجب على أوروبا أن تفعّل في منطقة الساحل دورها التقليدي في عمليات "ما بعد الأزمات". ذلك أن الاتحاد الأوروبي لم يكن حتى الآن فعالا في حل النزاعات، إلا أنه يحظى باعتراف بدوره الناجح في دعم مسارات ما بعد الأزمات -كما في البلقان والشرق الأوسط- طبقا لمقولة أن "الاتحاد الأوروبي لا يلعب ولكنه يدفع".
ما بعد النزاعات
ويرى كوشنر وموراتينوس أنه خلال السنوات الأخيرة لم تحظ هذه "المساهمة القيّمة" بالحضور المطلوب، لاسيما بعد تدخل التحالف الدولي والأوروبيين في ليبيا، فقد كان من الممكن تدعيم استقرار البلد والمنطقة كلها عبر ضمان مراقبة الحدود الليبية الجنوبية تجنبا لتهريب ترسانة القذافي العسكرية، وهو ما لم يحصل مما أتاح فرصة ذهبية للمجموعات المسلحة في الساحل للتسلح ومهاجمة الشمال المالي. ومن هنا لا يمكن لأي تدخل جديد في المنطقة نسيان "المثال السيئ" الذي وقع في ليبيا ويلزم العمل بكل السبل لتجنبه.
وتجد أزمة الساحل كذلك جذورها جزئيا في غياب الاستقرار والتعاون في شمال أفريقيا، ولاسيما غياب اتفاق مغربي/جزائري على مغرب عربي وموحد. إلا أنه في سياق أزمة مالي، من الجدير بالتحية كون المغاربة والجزائريين يقفون -لأول مرة- في نفس المعسكر، ويدعمون "التدخل الفرنسي الشرعي".
ويتشبث المسؤولان بالأمل في أن تستخلص الجزائر والرباط نفس العبر، وهما تواجهان حاليا نفس العدو ونفس التحديات. فقد حان الوقت لفتح الحدود بين البلدين والتوصل إلى المصالحة، وبشكل خاص إيجاد حل نهائي لمشكلة الصحراء الغربية.
ويخلص كوشنر وموراتينوس إلى أنه لا يمكن السماح بتحول منطقة الساحل إلى ملجأ "للعنف والأصولية المتشددة"، ذلك أن استقرارها يترتب عليه أمن أوروبا وتقدم بلدان المنطقة.