الخلفية الحقيقية للصراع بغرب أفريقيا

French army soldiers ride armoured vehicules as they leave a base camp in Sevare, on January 22, 2013. Mali's army chief today said his French-backed forces could reclaim the northern towns of Gao and fabled Timbuktu from Islamists in a month, as the United States began airlifting French troops to Mali. AFP PHOTO / FRED DUFOUR
 

undefined

تقول الكاتبة سوزان وينغ -في مقالة نشرتها مجلة فورين أفيرز- إن المراقبين يقدمون تفسيرات تجافي حقيقة ما يجري على الأرض في مالي، وبالتالي يتم وضع حلول غير صحيحة لمشاكل البلاد، محاولة الغوص في أسباب الصراع الحقيقية بمالي.

وتقول وينغ إنه بالنسبة للمبتدئين اختزل الصراع في شمال مالي في طرفيْ الطوارق والإسلاميين "المتشددين"، فعلى سبيل المثال جاء في مقال بنيويورك تايمز بعنوان "قوميون أو إسلاميون" أن لبّ الصراع يكمن في حركة الطوارق الانفصالية التي عارضت ما قامت به الجماعات الإسلامية والذي أثار اهتمام العالم، كما أشار المقال بشكل عابر إلى المجموعات العرقية الأخرى "كالأفارقة الذين يقطنون جنوب مالي".

وتضيف وينغ أن الواقع هو أن الطوارق أقلية بين سكان شمال مالي، كما أن كلا من مجموعات "الفولاني" و"السونغاي" و"البامبارا" احتلت أجزاء كبيرة من هذه المنطقة عبر التاريخ، وبعض أفراد تلك المجموعات هربوا منها إثر اندلاع القتال، في حين التحق آخرون منهم بالمتمردين، هذا فضلا عن أن الطوارق ليسوا كتلة موحدة، فالبعض منهم هجر المنطقة في حين التحق آخرون بأنصار الدين، والبعض انضم إلى الحركة الوطنية لتحرير أزواد.

وترى الكاتبة أنه "رغم اعتناق نحو 90% من الماليين وغالبية ساحقة من الطوارق الإسلام، فإن معظم الماليين  يتبعون الزعماء الدينيين الماليين المعتدلين، ويرفضون أن تُطبق عليهم الشريعة".

معقدة ومتجذرة
وترى الكاتبة أن تبسيط النواحي العرقية والدينية والحراك السياسي لن يحل هذه القضايا المعقدة والمتجذرة. وأوضحت أن الفضل يعود لعشرين سنة من الديمقراطية الهشة، باعتبار معظم الماليين المشاركة السياسية مكونا رئيسا للمواطنة.

وتستشهد الكاتبة بمقال لرئيسة بلدية غوندام في شمال مالي نشرته صحيفة نيويورك تايمز تقول فيه إن "الملحدين والخارجين على القانون" يختبئون وراء الشريعة ومطالب الطوارق بالاستقلال، وهم يقومون في الواقع بضرب واغتصاب النساء وإجبار الأطفال على المشاركة في "حربهم المقدسة". وأضافت أن غالبية الشعب تريد العيش في مالي علمانية ضمن حدودها الحالية، وتفضل انتخاب رئيس شرعي.

وفي السياق، هناك تقارير يجانبها الصواب بأن التدخل الفرنسي ليس سوى مغامرة استعمارية، حيث قالت  مراسلة الجزيرة الإنجليزية مي ينغ ويلش إن الهجوم الفرنسي جاء لحماية مصالح فرنسا الطامعة في ثروات المنطقة، في حين يتساءل رئيس أساقفة العاصمة الغانية أكرا عما إن كان التدخل "محاولة استعمارية؟".

وتشير الكاتبة إلى أن ضعف الدولة المالية يعود جزئيا للاستعمار الفرنسي، كما أن المنتقدين محقون في إشارتهم إلى المصالح الاقتصادية والإستراتيجية الفرنسية في المنطقة، فمنشآت فرنسا النووية مثلا تعتمد على اليورانيوم في النيجر المجاورة، لكنها تؤكد أن هذه العوامل ليس وراء التدخل الفرنسي.

وتمضي في التحليل لتقول إن الجيش المالي لم يكن بمقدوره وقف زحف الطوارق الانفصاليين في مارس/آذار الماضي، وليست لديه فرصة للوقوف في وجه "الجهاديين"، خاصة بعد سقوط كونا. وكانت الحكومة المالية في حاجة ماسة لمن يمد يد العون إليها، فتقاعس المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا في إرسال الجنود إلى مالي مهد الطريق أمام فرنسا للتدخل.

تنمية ولا مركزية
وتلفت الكاتبة إلى أن الترحيب بالوجود الفرنسي الكبير في بداية الحملة سيتراجع بعد اشتداد الصراع، وتقول إن ما حدث مؤخرا في الجزائر "مؤشر على صحة ما تقوله باماكو وباريس" من أن التمرد في مالي مشكلة تمتد أبعد من  حدود مالي، وتجب مواجهته على الصعيد الدولي.

وتخلص الكاتبة إلى أنه نظرا لكون مالي بلاد مغلقة والدول المجاورة ترفض وجود القاعدة والحركات الإسلامية، فإنه من المستحسن غلق حدودها لوقف أو تقليص وصول الإمدادات إلى المتمردين، كما أن "تزايد دعم الماليين لفرنسا ورغبتهم في إقامة دولة ديمقراطية وعلمانية على كافة أراضي الدولة، هي أيضا مؤشرات إيجابية للمستقبل".

لكن هذا النزاع لا يمكن حله سريعا، فمظالم الطوارق قديمة، كما أن الجهاديين لن يتوقفوا عن القتال حتى عندما يخبو القتال، وسيكون من الصعب على مالي تشكيل حكومة مستقرة وشرعية.

وتختم الكاتبة بأنه على الحكومة الإيفاء بوعدها بإقامة حكم لا مركزي، والشروع في تنمية اقتصادية شاملة خصوصا في الشمال، وقد أتت السنة الماضية على الإنجازات التي نفذتها الحكومة والمنظمات غير الحكومية في شمال مالي، مثل بناء مدارس جديدة ومراكز صحية ومجتمعية. واعتبرت أنه إذا لم يف المسؤولون الماليون بوعدهم بإقامة نظام لا مركزي ودعم الحكم المحلي والتنمية، فإنه من غير  المحتمل عودة السلام والديمقراطية.

المصدر : فورين أفيرز