مأزق إيران الإقليمي

epa03411505 Mahmoud Ahmadinejad, President of the Islamic Republic of Iran (R) sits with his delegation before addressing the 67th session of the United Nations General Assembly at United Nations headquarters in New York, New York, USA, 26 September 2012. EPA/JASON SZENES
undefined

هل ستجد إيران نفسها فجأة معزولة بشكل غير مسبوق في تاريخها الحديث، خصوصا بعد أن شهد الإقليم تحولات كبرى أهمها ثورات الربيع العربي؟ وهل ستستعيض طهران عن علاقاتها في الشرق الأوسط بخارطة جديدة ترسمها في دول آسيا الوسطى؟

أسئلة كهذه وأخرى غيرها تناقشها الباحثة في مركز فرايد للدراسات الإستراتيجية وأستاذة البحث في جامعة جورج واشنطن مارلين لوريل في مقالة لها منشورة على الموقع الإلكتروني للمركز بعنوان "مأزق إيران الإقليمي".

وترى الباحثة أن إيران باتت خلال الفترة الأخيرة تعاني من وضع إقليمي بائس في المنطقة الممتدة من الشرق الأوسط وحتى أفغانستان جراء أحداث الربيع العربي واستعصاء الصراع في سوريا وكذلك الانسحاب الغربي من أفغانستان وتأزم العلاقات مع أميركا، علاوة على التهديدات الإسرائيلية المتكررة بالهجوم على منشآتها النووية.

وترجح الباحثة أن إيران وجدت نفسها معزولة بشكل مفاجئ لم تعهده في التاريخ الحديث بحيث لا تجد لديها خيارات، وعليه فإن السلطات الإيرانية تخطط لإعادة تعزيز دورها في أفغانستان بعد انسحاب حلف شمال الأطلسي (ناتو) والولايات المتحدة من هناك.

‪استئناف العلاقات بين مصر وإيران له دلالة رمزية مهمة‬ (الفرنسية-أرشيف)
‪استئناف العلاقات بين مصر وإيران له دلالة رمزية مهمة‬ (الفرنسية-أرشيف)

وتستطرد الكاتبة بالقول إن استئناف العلاقات بين مصر وإيران له دلالة رمزية مهمة، ولكنه لا يساعد في منع تراجع الدور الإيراني في المنطقة، حيث أعربت مصر عن دعمها للثورة السورية في وقت بدأت البلقنة تظهر في سوريا بسبب التركيبة الطائفية هناك، وهو ما يثير قلق إيران الشيعية من انتصار الإسلاميين السنة، ولذلك فإن عليها إعادة التفكير في إستراتيجيتها في المنطقة على ضوء تراجع قوة سوريا حتى لو بقي بشار الأسد في سدة الحكم خلال السنوات القادمة.

إعادة تأطير
وتعتبر لوريل أن تطور مركز تركيا في الشرق الأوسط ساعد على إحداث تغير في البيئة الإقليمية لإيران، وذلك على ضوء ما أحدثه رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان من تغيير في الحياة السياسية التركية ومنحه تركيا هوية جديدة مما أكسبه تعاطفا في المنطقة، وكذلك بسبب النجاح الاقتصادي التركي.

أما العلاقات التركية الإيرانية فهي معقدة بسبب عدة عوامل ليس أقلها التغييرات في الحكومات في الشرق الأوسط خاصة في مصر، وكذلك تداعيات الثورة السورية ناهيك عن تقيد تركيا بالعقوبات الدولية على واردات النفط الإيراني واستضافتها قواعد الدرع الصاروخية الموجهة ضد الصواريخ الإيرانية.

ورغم ذلك -وفق الباحثة- فلا تعتبر تركيا عدوا لإيران، فقد ساعدت أنقرة في محاولات إيجاد حل سلمي لمشكلة البرنامج النووي الإيراني، لكن التوترات الأخيرة بين تركيا وسوريا تعتبر مدعاة للقلق، ناهيك عن تردد روسيا مؤخرا في الوقوف إلى جانب إيران كما حصل عندما صوتت روسيا لصالح قرار مجلس الأمن الدولي بفرض عقوبات على طهران.

وتشدد الكاتبة على أنه يجب أن لا ننسى قيام روسيا مؤخرا بإلغاء عقد تسليح بقيمة مليار دولار لتزويد إيران بمنظومة صواريخ الدفاع الجوي من طراز أس 300 رغم حدوث تطورات إيجابية مؤخرا في العلاقات الروسية الإيرانية فيما يخص التطورات في الشرق الأوسط، فبسبب العزلة الدولية المتزايدة لإيران فإنها بحاجة لدعم كل من روسيا وتركيا لمنع تفاقم الأزمة مع الولايات المتحدة والغرب.

تفجير بلغاريا نظر إليه بوصفه عملا استخباريا (الفرنسية)
تفجير بلغاريا نظر إليه بوصفه عملا استخباريا (الفرنسية)

الحرب بالوكالة
تعود الباحثة إلى الحادث التفجيري الذي وقع مؤخرا في بلغاريا وأودى بحياة عدد من السياح الإسرائيليين في منتجع بورغاس، فتقول إنه إثر ذلك تجدد الحديث عن الحرب بالوكالة بين كل من إسرائيل وإيران، وهو ما ينظر إليه كانتقام إيراني لمقتل علماء نوويين إيرانيين، مشيرة إلى أن هذا الحادث لم يكن يتيما فقد سبقه أحداث مشابهة في كل من قبرص واليونان والهند وتايلاند.

كما ترى لوريل أن جنوب القوقاز تظهر على خارطة الاهتمام الإيراني بسبب الدور الاقتصادي الكبير هناك، فأذربيجان تزود إيران بخمسة ملايين متر مكعب من الغاز سنويا. كما أن إيران تمد محطة جمهورية ناخشيفان المتمتعة بالحكم الذاتي بالغاز علما بأن الشركة الوطنية الإيرانية للنفط والغاز تمتلك 10% من حقل غاز شاه دينيز في بحر قزوين، ولكن طهران تخشى من تطور العلاقات بين إسرائيل وأذربيجان وعقد صفقة لتزويد الأخيرة بطائرات دون طيار وأنظمة مضادة للصواريخ.

وترى الباحثة أن تفجير سيارة لسائق يعمل في السفارة الإسرائيلية في جورجيا -والمتهم فيه رجال من الحرس الثوري الإيراني- يشير إلى أن جنوب القوقاز بات يستحوذ على أهمية متزايدة في الحسابات الإيرانية.

الشرق الأقصى
وتستنتج لوريل أنه على ضوء عدم ضمان مستقبل الأوضاع في الشرق الأوسط "فقد يمم النظام الإيراني وجهه شطر الشرق الأقصى ويحاول خلق استقرار على حدوده الشرقية مع كل من أفغانستان وآسيا الوسطى، وتعزيز الروابط الاقتصادية مع الصين رغم اضمحلال الأمل في انضمام إيران إلى منظمة شنغهاي للتعاون بسبب معارضة كل من الصين وروسيا".

مارلين لوريل:

محاولة إيران خلق تكتل ناطق بالفارسية يتكون من إيران وطاجكستان وأفغانستان لا حظوظ له في النجاح

كذلك فإن محاولة إيران خلق تكتل ناطق بالفارسية يتكون من إيران وطاجكستان وأفغانستان لا حظوظ له في النجاح، علما بأن أنظمة الحكم العلمانية في دول آسيا الوسطى تساورها الشكوك والريبة بسبب طبيعة عقيدة الحكومة الإيرانية، رغم أن تلك الدول تنظر إلى إيران كشريك اقتصادي على المدى البعيد خاصة في مجال نقل الطاقة من آسيا الوسطى إلى كل من جنوب آسيا والخليج.

وتنقل الكاتبة أن تلك الدول تعتقد أنه يجب الوصول إلى تسوية سلمية للبرنامج النووي الإيراني، كما أنها تعتقد أنه في حال امتلاك إيران للسلاح النووي فإنها لن تستخدمه ضدها. لكن الإيرانيين يشعرون بالقلق من تنامي الحركات السلفية في آسيا الوسطى وهم يشجبون الحركات الناشئة من كل من الهند والخليج وتركيا التي يعتبرونها تهديدا لمصالحهم على المدى البعيد.

أما بالنسبة لإستراتيجية إيران في أفغانستان فهي محفوفة بالتعقيدات، حيث يرى المدنيون في الحكومة الإيرانية أن هناك أعداء لإيران في كل من تحالف طالبان وباكستان والسعودية، ولكن إيران يمكن أن تراهن على أقلية الهزارا هناك وبعض زعماء الحرب القدامى مثل قلب الدين حكمتيار وإسماعيل خان، وتأمل في تحويل المناطق ذات الأغلبية الشيعية إلى مناطق حكم ذاتي عازلة تساعد في حماية إيران في حال تردي الاستقرار في كابل.

المصدر : الجزيرة + مواقع إلكترونية