انسحاب من أفغانستان ومستقبل غامض

AFGHANISTAN : In this photo provided by ISAF Regional Command (South),US Army Pfc. Shawn Williams of the 1st Stryker Brigade Combat Team, 25th Infantry Division based in Fort Wainwright, Alaska, is taken to a military helicopter for evacuation after being injured by a roadside bomb, June 17, 2011, in the Kandahar Province of Afghanistan

جندي أميركي أصيب بانفجار قنبلة قرب قندهار الأسبوع الماضي (الفرنسية)

قال رئيس المعلقين السياسيين بصحيفة ديلي تلغراف بيتر أوبورون إن الانسحاب الأميركي من أفغانستان لا يشبه بالضبط ما جرى في فيتنام قبل 40 عاما، فلا توجد بعد صور لهروب الدبلوماسيين الأميركيين من كابل، كما أنه لا يمكن مقارنة ستة آلاف قتيل أميركي سقطوا في حربين فاشلتين بالعراق وأفغانستان بـ60 ألف جندي سقطوا في فيتنام، لذلك تجب إدارة الخروج بهدوء كما يصر عليه الرئيس الأميركي باراك أوباما ورئيس الوزراء البريطاني ديفد كاميرون.

وأوضح الكاتب أن الرئيس الأميركي الأسبق ريتشارد نيكسون أقدم على خطوة مماثلة بعد تحقيق الأميركيين تقدما عام 1968، فمارس ما سماه سياسة "الفتنمة"، حيث رأى هو ومستشاروه تطبيق مرحلة انتقالية تتزامن مع الخروج التدريجي للجيش الأميركي، وتولي الفيتناميين الجنوبيين مقاليد الأمور، لكن هذا لم يحدث واضطر الأميركيون للفرار في ربيع عام 1975.

نيكسون طبق مرحلة انتقالية تتزامن مع الخروج التدريجي للجيش الأميركي، وتولي الفيتناميين الجنوبيين مقاليد الأمور، لكن هذا لم يحدث واضطر الأميركيون للفرار في ربيع عام 1975

وانتقل الكاتب إلى صورة افتراضية في عام 2014، وهو التاريخ الذي حدده أوباما وكاميرون لانتهاء القتال، فقال إن ما هو مؤكد هو عودة حركة طالبان إلى السلطة والملا عمر على رأسها طبعا، وهو الذي لا يزال يتصدر قائمة المطلوبين من مكتب التحقيقات الفدرالي، وسيعود لمواصلة وظيفته التي توقفت.

ومضى الكاتب يتخيل المشهد، فقال إنه من المستحيل استمرار مظاهر الحياة التي ازدهرت في عهد الرئيس الأفغاني حامد كرزاي لأن كل هذا سيتوقف، وستعود عمليات الإعدام التي كانت تنفذ في المجرمين والشاذين جنسيا، كما ستعود الحركة للتضييق على تعليم الفتيات.

وأكد أن ما سيتغير هو أن طالبان لن تسيطر على كامل أفغانستان ولن تجد معارضة ضعيفة، بل ستجد أطرافا قوية، وهذا ما راهن عليه الأميركيون في عملية التفاوض: اتفاق يجمع طالبان وعناصر من تحالف الشمال القديم. وقال إن هذا لن ينجح على الأغلب، وستواجه البلاد حربا أهلية مثل تلك التي حدثت بعد انسحاب القوات السوفياتية عام 1989، وإذا حدث هذا بالفعل، فستقع أقاليم كثيرة بيد زعماء الحرب الذين سينشقون عن الجيش الأفغاني.

وأبدى الكاتب تشاؤمه من نجاح خطة أوباما، فقال إنه لا شيء يوجد لإبقاء الأفغان الموالين للأميركيين والبريطانيين على موقفهم سوى المال، وهم سيسعون لتأمين مستقبلهم، والرئيس كرزاي الذي يوجد في قلب فضيحة مالية، من المحتمل أن يهرب قريبا بالملايين التي سرقتها أسرته.

وقال الكاتب إن الدول التي لها جنود في أفغانستان مثل بريطانيا ستجد نفسها مرغمة على الإجابة عن هذا السؤال: لماذا نبعث شبابنا يموتون في حين نخطط للانسحاب؟

ودعا الكاتب الدول التي لها مصالح طويلة المدى في المنطقة إلى التدخل، وهي الصين وإيران والهند وروسيا وقبلهم جميعا باكستان، وقال إنه لا توجد قوة على الأرض تستطيع منع الباكستانيين من دعم طالبان، ولم تنتبه أميركا وبريطانيا إلى هذه الحقيقة إلا منذ مدة قصيرة.

وقال الكاتب إن كون أميركا أكبر قوة عسكرية أمر لا جدال فيه، لكن ما جرى في العراق وأفغانستان يجعل هذه القوة ليست شيئا في حروب القرن الواحد والعشرين، ولذا فإن وزير الدفاع الأميركي الجديد ليون بانيتا القادم من وكالة المخابرات طلب في جلسة أمام مجلس النواب وضع الأفراد العسكريين الأميركيين تحت إدارة سي آي أي وهكذا ستكون عملياتهم سرية وغير خاضعة للمساءلة، وقال الكاتب إن مثل هذه الخطوة غير دستورية ولها آثار كارثية.

استنتج الكاتب أن الانسحاب من أفغانستان هو أحد النتائج غير المتوقعة للأزمة المالية، وخلص إلى أنه لم يعد باستطاعة أميركا أن تكون شرطي العالم، وربما ستعود إلى عزلتها

وعاد الكاتب إلى عام 1974 فقال إن الولايات المتحدة وهي تستعد للانسحاب من فيتنام كانت تعاني عجزا بقيمة 6.1 مليارات دولار، أي نحو 27 مليار دولار بقيمة اليوم، وبلغ عجز هذه السنة 1.66 تريليون دولار، أي أنه تضاعف 60 مرة. أما الدين العام في سنة 1974 فكان 475 مليار دولار أي 1.8 تريليون دولار هذه الأيام بحساب التضخم، لكنه اليوم في حدود 14 تريليون دولار، حيث تضاعف مرتين في السنوات السبع الأخيرة فقط، وبالتالي يكون الانسحاب من أفغانستان أحد النتائج غير المتوقعة لهذه الأزمة المالية.

ومن هذه الصورة خلص الكاتب إلى أنه لم يعد باستطاعة أميركا أن تكون شرطي العالم، وربما ستعود إلى عزلتها، أما الحلم الأوروبي فهو يهتز على وقع أزمة الديون، والتاريخ يتحرك بسرعة ليقودنا إلى عالم جديد بدون معالم واضحة.

المصدر : تلغراف